صحيح ان أحداً من المتابعين لم تكن لديه أية فكرة عن الهدف الذي سيكون محور رد حزب الله على عملية اغتيال القائد الشهيد فؤاد شكر ، ولكن ما كان قد وضعه سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من مواصفات لهذا الهدف في خطابه بعد الاغتيال مباشرة، لم تكن مختلفة بتاتاً عن مواصفات ما تم استهدافه فجر أمس الاثنين، والذي أتمّت من خلاله المقاومة وعدها المقدس بالرد الحتمي على عملية الاغتيال الغادرة في الضاحية الجنوبية لبيروت.
نعم، نفذ حزب الله فجر أمس عملية الرد المنتظر والتي جاءت على مرحلتين ، طاولت الأولى بنحو ٣٢٠ صاروخاً، مروحة واسعة من قواعد العدو المنتشرة على كامل الجليل المحتل وصولاً إلى قواعده في الجولان السوري المحتل، لتطال الثانية وبالمسيرات المتوسطة والبعيدة المدى ( أطلق بعضها من البقاع للمرة الأولى) ، موقع وحدة استخبارات العدو ” أمان” – أو الوحدة ٨٢٠٠ في قاعدة جليلوت المتواجدة على مشارف تل أبيب البعيدة عن الحدود اللبنانية ١١٠ كلم تقريباً.
الكثير من الأبعاد الحساسة تحملها هذه العملية، إن كان العسكرية أو الإستراتيجية أو تلك المرتبطة بالتوقيت الاستثنائي، والتي يمكن الإضاءة عليها كالآتي:
في البعد العسكري:
عدة نقاط تقنية وعسكرية لافتة تميزت بها عملية رد حزب الله على قاعدة جليلوت كهدف رئيسي وعلى قاعدة عين شيميا أو قيادة الدفاع الجوي كهدف ثانوي مساعد أو مكمل للأول وهي:
– نجاح مناورة الإطلاق المركبة، بالصواريخ كمرحلة أولى وبالمسيرات كمرحلة ثانية، بحيث جاءت بداية المرحلة الثانية متداخلة مباشرة مع نهاية المرحلة الأولى، ولتتحقق عبر ذلك عملية إلهاء وجذب للنسبة الأكبر من قدرات الدفاع الجوي، والمستنفرة أساساً بمستوى مرتفع جداً، ولتنجح المسيرات بإصابة هدفيها المختارين بعناية: قاعدة وحدة أمان ٨٢٠٠ في جليلوت وقاعدة الدفاع الجوي في عين شيميا، والبعيدة نحو ثمانين كلم عن الحدود اللبنانية.
– المهم في هذا الإطار، لم يكن فقط عملية الإلهاء والإطلاق على مراحل، فهي عملية معروفة نسبيًا، وأصبحت معتمدة بشكل واسع في أغلب الحروب الحالية حول العالم، إنما المهم هو النجاح في فرض وتنفيذ عملية الإلهاء هذه على مرحلتين وفشل العدو في منع ذلك، بالرغم من معرفته الواسعة لخطوط هذه المناورة المعتمدة بشكل دائم من قبل المقاومة وخاصة خلال كامل مسار اشتباك الإسناد المندلع منذ أكثر من عشرة أشهر، الأمر الذي يؤشر إلى عجز وعقم إجراءاته حتى الآن، لتلافي فشل رادارت منظوماته الاعتراضية في التمييز بين الصواريخ والمسيرات وفي التحكم بمتابعتها واعتراضها، مما يؤكد قدرة المقاومة على فرض الإيقاع الذي تختاره في عمليات الاستهداف والرد على الكيان، وتحديداً في مناوراتها المركبة بين الصواريخ وبين المسيرات.
– نقطة عسكرية أخرى تميزت بها عملية الرد هذه، وهي نجاح الاستهدافات رغم الاستنفار عالي المستوى لمروحة واسعة من منظومات وقدرات الدفاع الجوي العدوة والحليفة، والأميركية تحديداً، ومرد هذا النجاح يعود لعدة عناصر، منها القدرات والإمكانيات التقنية للمسيرات نفسها التي أُطلقت، ومنها دور الخبرة التي اكتسبتها وحدات حزب الله الصاروخية والمسيرة، ومنها أيضاً نجاح هذه الوحدات في اختيار محاور جوية ضعيفة لناحية تماسك الدفاع الجوي، وذلك نتيجة تحليل مسارات مئات عمليات التدخل بالمسيرات فوق أجواء الجليل المحتل.
– في البعد الإستراتيجي:
برهن حزب الله من خلال تنفيذه عملية الرد، رغم التهويلات والتهديدات الضخمة التي تعرض لها لثنيه عن الرد، أنه ملتزم حتى النهاية بمواقفه مهما كانت الضغوط، وبأنه لاعبٌ قادرٌ ومُقرر ، على الساحة الإقليمية، وحتى على الساحة الدولية، حيث تأثيرات عملية استهداف عمق كيان الاحتلال، لها أبعاد وارتباطات دولية بالكامل.
وأخيراً لناحية التوقيت الحساس، سيكون لعملية الرد حتماً، التأثير الحاسم والفاصل في مسار الحرب الدائرة حاليًا، إن كان لناحية مفاوضات التسوية التي ما زالت تدور حالياً، رغم تعثرها بسبب التعنت الإسرائيلي، وإن كان لناحية استمرار الحرب والأعمال القتالية في غزة وعلى جبهات الإسناد، والسبب في التأثيرات الفاصلة لهذه العملية، أنها ستشكل هاجساً ضاغطًا على الاحتلال، أولاً لناحية فشله في منع اختراق أجواء تل أبيب كنقطة الثقل الإستراتيجية في إسرائيل، وثانياً لناحية فقدان المستوطنين ثقتهم بالقيادتين السياسية والعسكرية للكيان، الأمر الذي سوف يزعزع حتماً مبدأ نشأة الكيان القائم على هجرة اليهود من كل العالم إلى فلسطين المحتلة والعيش فيها بأمان.