لم نكن نسمع في عز الحرب الاهلية في لبنان عام ١٩٧٥ ، مثل هذه المفردات الفاقعة في دلالاتها وابعادها مثل:
– التعايش الاسلامي المسيحي كذبة لبنان الكبير ؟
– لا نريد ان نتحول الى مسيحيين ديكور كالاقباط في مصر والمسيحيين في تونس والجزائر وسورية .
– وضعنا الحالي لا يستقيم الا بالتقسيم.
وغير ذلك من هذه العناوين التي تنذر بتفكك الصيغة اللبنانية، والتي اتخذت منحى جديدا اكثر شططا بعد حادثة القرنة السوداء !!
انا على سبيل المثال وليس الحصر ولدت في بيروت وفي محلة المزرعة ونشأت وكبرت مع ابناء محلتي من المسلمين والمسيحيين، وفي محلة المزرعة تجاوز عدد العائلات المسيحية اخوانهم من العائلات الاسلامية، واذكر جيراننا من آل بدران وبطرس ونصار و زاخر وصليبا والمجدلاني وحبيب وحداد وربيز ونحاس وغيرهم و نشأنا معا وتقاسمنا الحياة والمناسبات، وعندما غضب الله على لبنان ووقعت الحرب الاهلية وانتصبت خطوط التماس لم يغادر احدا من العائلات المزرعانية محلتهم وتقاسموا الحياة مع اخوانهم المسلمين متاعب الحرب جنبا الى جنب من المزرعة الى برج ابي حيدر الى النويري الى المصيطبة .
لا بل لم يشعر المسيحيون في لبنان وسورية بالاضطهاد على مر التاريخ وكانوا جزءا اساسيا من النهضة السياسية والفكرية واللغوية في العالم العربي وهم بالتأكيد جزء من العالم العربي وليسوا جالية اجنبية، بل هم عرب اقحاح وشركاء ومواطنون كغيرهم من المواطنين.
اما تلك الشعارات والمطالب والعناوين الخلافية التي نسمعها لا تشبه المسيحيين لا بل تشكك في عروبتهم وانتمائهم لمواطنيهم العرب !!! وهذا ليس في مصلحتهم ابدا …
ويذكر التاريخ ان البطريرك غريغوريوس حداد اشتهر ببعد نظره وقوة بصيرته، كما عرف بمواقفه الوطنية ونزعته العربية حتى اطلق عليه السوريون لقب “بطريرك العرب”
ويقول التاريخ انه لما جاء شارل كراين سنة ١٩١٩ يستفتي اللبنانيين والسوريين حول مستقبل الحكم فيهما قال له : ” نحن النصارى الارثوذوكس في هذا البلد عرب غساسنة تدعونا عروبتنا لنكون يدا واحدة مع ابناء قومنا ومع الدولة العربية الشريفية التي ارتضيناها وقبلناها”
وكان لهذا التصريح الصادق اثره الكبير على مجرى الاستفتاء، حتى ان شارل كراين اضطر يومئذ الى ارسال برقية الى الرئيس الاميركي ولسون يقول فيها ان القضية العربية ليست قضية اسلامية كما يدعي الافرنسيون بل قضية عربية قبل كل شيء. ويحكى انه اصيب في اواخر ايامه بمرض في عينيه وشعر بغشاوة تغطي ناظريه ، واستدعى احد كبار الاطباء الذي تولى فحص عينيه بدقة وبعد ان انتهى قال لصاحب الغبطة: لا اكتمك يا سيدي وانتم ممن تميزوا بالحكمة والتقى ان الاصابة خطيرة وبوجود خطر على بصركم الغالي. فقال البطريرك : الحمد لله على سلامة بصيرتي.
لذلك، ينبغي على مواطنينا المسيحيين ان يدركوا ان هذا الشحن المسموم الذي يدعي الحرص عليهم ليس في صالحهم في وطن لا يقوما الا بالتكامل ولا يزدهر الا بتنوعه واخلاص ابنائه مسيحيين ومسلمين.