Responsive Image
أخبار الجبهةمواقف وأقوال

الشيخ منقارة في الذكرى الخامسة عشر لرحيل الداعية يكن .. على العهد باقون مهما إشتدت الصعاب وبلغت التحديات

بقلم:فضيلة الشيخ هاشم منقارة (رئيس مجلس قيادة حركة التوحيد الاسلام/عضو جبهة العمل الاسلامي /واتحاد علماء بلاد الشام)

في الذكرى الخامسة عشر لرحيل رفيق الدرب الجهادي الحبيب المغفور له الدكتور فتحي يكن نستذكر رجل المواقف الصلبة والوحدة والمقاومة وفلسطين بل صاحب الموقف الإسلامي الجامع والإنساني الشامخ العزيز.

بالرغم من ثوريته المتقدمة في محاربة الظلم، والتي لم يحدها زمان أو ظرف أو مكان، إلا أنها كانت منظمة وممنهجة وليست قفزاً في المجهول، فالقيادة عنده مسؤولية وأمانة لإيصال السفينة إلى بر الأمان، فلا ينطلق سهمه إلا بدليل، ويستنبط من قاعدة شرعية، فكان الثابت على المبادئ في زمن المتغيرات، والبوصلة كانت دائماً تتجه نحو فلسطين؛ يدور معها كيفما دارت وعشقه المقاومة ورجالها، ولم يكن ليتحول عنها نحو ما ذهب إليه البعض من أبناء الحركات الإسلامية، فضلوا وأضلوا..
كانت دعوته دعوة أفعال لا أقوال فحسب، وفي أيامنا النضالية المشتركة كنا نستمتع بنفحات تلك الشخصية المحببة التي جمعت فرائد الخصال القيادية الحميدة؛ من وضوح رؤية وغزارة علم وبعد عن هجين الأقوال والأفعال، وعزيمة لا تلين، وعلو كعب في التواضع، يعبّر عن سماحة تلك الشخصية.
وبالعودة إلى أركان دعوته وخطابه، فهناك استبعاد كلي للشخصانية والأنا، وذوبان كلي أيضاً نصاً واجتهاداً في أحكام الإسلام والإيمان، فهو حين يتحدث عن المفهوم الأمني مثلاً يعبّر عن قواعد الإسلام في ذلك، ولا ينطلق في أية قضية أخرى خارج هذا المنهج بإجهاد النفس بما لا تطيق، بل بما ليس لها من اختصاص، وهذا لا يتناقض وإجهاد الملكات في البحث والتحري والاستنباط، فيقول: الأمن نعمة كبرى لا تفضلها نعمه، فهو بالنسبة إلى الإنسان أهم من الغذاء والكساء والدواء، وسائر الحاجات والضرورات البشرية، وإسناده في ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).
كان يرفض الداعية يكن رحمه الله أن يكون سباق التسلح والتسلط والاستئثار بالقرار العالمي عبر حيازة أسلحة الدمار الشامل.. والحقد والكراهية والانتقام سبيلاً لرسم النظريات الأمنية والعسكرية حول العالم، فالأمن في لغته أي في لغة الإسلام هو الاطمئنان والسكينة، وهو نقيض الخوف، وسنده قوله تعالى: {وليبدلنهم من بعد خوفهم آمنا}، وهو عنده حاجة إنسانية ملحة وأساسية للتقدم الإنساني ورقيه ورفاهيته وسعادته، في حين فإن اضطرابه وتعطله مدعاة للتخلف والتأخر والضعف والانهيار، وسنده قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم آمناً يعبدونني ولا يشركون بي شيئاً}، والأمن عنده تجلٍّ إيماني، وسنده قوله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، وأساسه العدالة، ذلك أنها أساس الملك، وسنده سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد عدل فأمن فنام..
وهكذا كان بناؤه دائماً مترابطاً يقوم على الدليل الذي يستحضره مسبقاً في ذهنه وإحساسه، فكان ثابتاً في وجه الريح العاتية، وكلما ازدادت عصفاً ورمادية ازداد رسوخاً ووضوحاً وثقة بانتصار الحق وأهله، ولهذا كان دائم اليقين في دولة الحق وأهلها إلى قيام الساعة، والذي أستطيع تأكيده في هذه العجالة في فهم بعض شخصية الداعية يكن أنها بعيده كل البعد عن شعور الضعف والهزيمة الداخلي التي يعاني منها أكثر رجالات العصر، لأنه عندما كان يتحدث عن النظام الإسلامي سواء الاجتماعي أم نظام الحكم وشكل الحكم، لم يكن يجهد نفسه لعقد الصلة بينه وبين غيره من أنواع النظم التي عرفتها البشرية قديماً وحديثاً، والتي صاغها البشر لأنفسهم بمعزل عن الله، فالإسلام لم ولن يحاول أن يقلد نظاماً من النظم أو أن يعقد بينه وبينها صلة أو مشابه، بل اختار طريقاً منفرداً فذاً، وقدم للإنسانية علاجاً كاملاً لمشكلاتها جميعاً، وفي رأيه هذه هي النغمة الانهزامية التي يجعلها البعض في بلادنا مدخلاً ومقدمه لأستهداف المقاومة والحركة الاسلامية الجادة للقول بعدم صلاحية الإسلام لأن يكون نظام حكم في هذه الأيام، فالإسلام يقدم حلولاً مستقبلية لمشكلات الإنسانية، يستمدها من تصوره الخاص ومنهجه الذاتي ووسائله المتميزة، وعلينا حين نناقشه برأي الداعية يكن إلا نكله إلى مذاهب ونظريات أخرى تفسره، أو تضيف إليه فهو منهج متكامل ووحدة متجانسة وإدخال أي عنصر غريب فيه كفيل بأن يفسده.. فحذار ممن اندست في ثقافتهم أحاسيس خفيه بالهزيمة، ولو لم يعترفوا صراحة بها.
كان رحمه الله مؤسسة دعوية في رجل،وكان الإنسان الذي رفعه تواضعه فتربع على عرش قلوب معارفه وأحبائه،هو من فرائد خميرة تلك الثلة التي أسست للصحوة الإسلامية المعاصرة وحبة في عقدها اللؤلؤي الأصيل بل ذاكرة حية لحركيتها والتي قدر لها تلك التجربة التي اتصفت بالمزج بين النظرية والميدان دون كلل أو ملل بل ما زادتها السنون إلا القاً وتوهجاً لا نقول أؤلئك الذين كان همهم الإسلام بل كان شغفهم ومتعتهم التي أرادوا أن يشاركهم بها الآخرون لذلك أخلصوا لها فخلدتهم في صفحات عز هذه الأمة .
جبهة العمل الأسلامي
للأضاءة على حقبة تأسيس جبهة العمل الإسلامي في لبنان قدر الله سبحانه للعمل المشترك بيننا أن يكون في زمن جبهة لحكمة يعلمها . ولتأخذ أبعادها القوية في الساحة الطرابلسية واللبنانية والعربية والإسلامية،وعن الدواعي التي استدعت ولادة الجبهة انه بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري بدت الصورة السنية مقلوبة تماماً حيث عملت جهات مشبوهة على تزييف وتشويه الحقائق والمعطيات بصورة محمومة فترنحت الساحة السنية وإن كانت هي الموؤل والرهان وبدت وكأنه يراد لها أن تأخذ دوراً معادياً لأمتها المقاومة وقضيتها فلسطين فكان فخاً محكماً لتجريدها من دورها الحضاري والريادي خاصة في سعيها نحو الوحدة والمقاومة
لذلك كان لا بد من حالة استنهاض وتصحيح سنية وكان الرهان على قيادة الداعية بما له من حضور فاعل وعميق تجربة وإخلاص فتم الإعلان عن تشكيل (قوى العمل الأسلامي) في لبنان وهو عبارة عن أحزاب وهيئات وجمعيات وشخصيات لها حيثيتها الميدانية على الساحة العامة لا سيما السياسية منها وبعد ذلك أخذت منحى التأسيس الجبهوي الذي أعطاها حضوراً وطنياً وإسلامياً فاعلاً الا اننا تعرضنا في ذلك لأستهدافات محمومة لثنينا عن ذلك الدور إلا أنه وبفضل الله أثبتت الجبهة أنها كانت على صواب بعدما عمل أكثرية اللبنانيين والعرب والمسلمين على إعادة قراءتهم باتجاه ما كانت تدعو إليه الجبهة خاصة في موضوعي الوحدة والمقاومة ونبذ الفتنة الداخلية وهذا المسار السياسي للجبهة ينسجم بقوة مع المسار الأصيل الذي خطه الداعية يكن منذ انطلاقته لأكثر من نصف قرن
أن الداعية يكن بتجربته في جبهة العمل أكد المؤكد من نهجه وشخصيته ومن الظلم الفادح اتهامه بالخروج عن ثوابته مع الإعتراف بأن التجربة الأخيرة كانت الأكثر اشكالية لدى البعض ويعود ذلك لأسباب تتعلق بالآخرين أنفسهم عندما تعرضت المواقف والمفاهيم والمصطلحات للتحريف والتشويه وأصبحت قنابل موقوتة في الحياة السياسية والإجتماعية والسؤال هل كان يوماً داعيتنا مع غير المقاومة والوحدة،اذاً ما الذي تغير أو استجد بل من الذي تغير , هذا المعنى أكده الداعية يكن في كل مواقفه وكتاباته الأخيرة لا سيما كما في ليت قومي يعلمون والسنيون الجدد الذين تركوا مرارة في نفسه وأسى عليهم بسبب المزايدات المصلحية الشخصية لرجل مبدئي حتى مع حلفائه ،وكان رأيه في بناء الشخصية السنية القوية في ان تكون حليفاً قوياً مع الأخوة والأصدقاء ومناجزاً مهاباً عندما تتعرض للاستهداف وكان يأخذ على الآخرين مقولة قوة الطائفة والبلد والأمة بالضعف لقد اراد البعض من الداعية المستحيل ان يكون طائفياً ومذهبياً وضد المقاومة وعندما لم يجاريهم اتهموه بما اقدموا هم أنفسهم عليه.
الشخصية الشمولية
لم يكن الدكتور يكن داعية نمطية تقليدية لقد كان مواكباً لأساليب الدعوة المعاصرة بما تستلزم من اساليب وأدوات فعندما كان يتكلم عن العولمة التي بهرت البعض استطاع بفضل سعة اطلاعه ومواكبته للمستجدات بعناوينها وتفاصيلها أن يوضح لنا ماهيتها ودورها الاستعماري الجديد بالمقارنة مع قواعد الإسلام وأصوله وفروعه وتطبيقاته وتجربته. كان الداعية المعرفي صاحب الثقافة المركبة التي عرفت كيف تدجن التخصص الدقيق وتضعه في سياقه الطبيعي خدمة للهدف الأسمى وتنزيهاً لها عما لا يليق بها كما يفعل اعداء الإسلام, فكان الداعية والفقيه والسياسي والمصلح الاجتماعي والكاتب والإعلامي بصورة مبتكرة متمرس بلغته ومتقن للغات كما تميز بالحاحه بطلب العلم والمعرفة الذي لا يكون عنده فقط بطرقه التقليدية فلكل مشهد عنده آية وعبرة تقتضي الوقوف عندها والملاحظ ان علاقاته الشخصية وتحالفاته السياسية وغيرها لم يبنها مع الآخرين بحسب قوة حيثيتهم المادية او الميدانية كان فقط ينظر لصدق النية وقوة الإرادة والعزيمة التي بنفس الوقت لا تكلف المرء اكثر مما يطيق . انه رجل التيسير دون التحلل أوالتفريط لذلك اتصف اسلوبه بالقيادة السلسة.
كيف فهم الدكتور يكن الدعوة
تلك كانت مهنته التي اختارها بشغف فكان لا بد له من اتقانها بكل ادواتها وقاعدته في ذلك أن الله يحب من احدكم اذا عمل عملاً أن يتقنه كذلك لا يبطله فكان شديد التفاؤل بخير أمة اخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله والدعوة عنده واجب كفائي على الأمة واجبة على الأمام وأولي العلم من المسلمين فضلها عظيم فهي مهمة الأنبياء والرسل ،هدفها إرشاد الناس الى صراط الله المستقيم وقصدها إخراج الناس من الظلمات الى النور ويكون عنده بإيجاد الأمة الصالحة الداعية الى الله المجاهدة في سبيله بعناصرها المؤمنة الصالحة التي تقيم الحجة على الجاحدين وتنهى عن الفساد في الأرض ومن الخطأ الظن عنده ان الفساد ينحصر في الزنا وشرب الخمر وما في معناهما فالاستهانة بكرامة الشعب منكر وتزوير الانتخابات منكر لذلك افتى بحرمة بيع الأصوات وسرقة المال العام واحتكار السلع منكر واعتقال الناس بغير جرم حكم به قضاء عادل وتعذيبهم في السجون والمعتقلات منكر (لذلك وقف مع المظلومين منهم) والرشوة وتملق الحكام بالباطل واشاعة الهلع والارهاب والحروب والقتل المتنقل وتدمير الممتلكات منكر وهكذا تتسع عنده دائرة المنكرات لتشمل كثيراً مما يعده الناس في صلب السياسة وبرأيه لا يمكن للأمة ان تستقيل او تتخاذل والا فقدت دورها وانتهت رسالتها وحكم عليها بالفناء لأنها غدت أمة أخرى لأن وظيفتها كما يقول عمارة الأرض بالخير والعمل الصالح .
لقد كان الداعية يكن صاحب رؤية وكأني به اليوم اكثر ما نحتاج لأسلوب دعوته في التصدي لخوارج العصر الجدد الذين يمعنون في تقسيم الأمة وهتك وحدتها عندما نستعرض “اركان الدعوة عند الدكتور يكن”
أ- (المدعو اليه وهو الإسلام (ب) الداعي وهو القائم بأمر دعوة الناس (ج) المدعو وهو من يراد دعوته وهم: أهل الإسلام خاصة والناس عامة . وأصول الركن الأول عنده انه لا يدعى الا الى الإسلام , والإسلام هو: كتاب الله (القرآن) وسنة رسوله محمد بن عبدالله ) ( وما أجمعت عليه الأمة ،وحقيقة الإسلام عبادة الله وحده لا شريك له ، فالإسلام نظام شامل لكل اعمال الإنسان ولا يحتاج لغيره .
ب- الركن الثاني : الداعي الى الله المراد به كل مسلم حمل امانة الدعوة , العلم بما يدعو اليه الشرط الأهم للداعي , ان يكون حريصاً على هداية من يدعوه بالحكمة والموعظة الحسنة وهي عنده وصف جامع للعلم النافع الذي يمكن صاحبه من وضع كل امر في نصابه مما ييسر له الوصول الى افضل النتائج بأيسر السبل .
ج- الركن الثالث:عالمية الرسالة , كما الناس لديه حيال الإسلام اقسام : قسم آمن وأتبع , وقسم كفر وهم نوعين : كفار معلنين وكفار تظاهروا بالاسلام وأضمروا الكفر, وقد سماهم القرآن بالمنافقين , وأصول دعوة الكفار عنده منهم من بلغته دعوة الإسلام على الوجه الصحيح ومنهم من بلغته بصورة مشوهة ومنهم من لم تبلغه بعد ومنهم اهل الكتاب اليهود والنصارى وهنالك الوثنيون والمجوس وممن لا ينتمون لدين اصلاً ومع هؤلاء جميعاً يجب ابلاغهم الإسلام صحيحاً قاطعاً للعذر يبطلون فيه شبهات الكفار ويدفعون باطلهم ولا يبدأ مع الكافر الا بالتوحيد ثم الأهم فالأهم وتعرض باللين والحكمة والموعظة الحسنة وترد اساءتهم ولا يسكت عنها اي بطعنهم بالدين كذلك قبول الكافر اخاً في الاسلام مهما سلف منه في الكفر ولدعوة المرتد اصول ولا حكم بالردة الا من عالم بالإسلام كذلك لدعوة المنافق اصول ولا يحكم على شخص انه منافق نفاقاً اعتقادياً الا ببرهان لا يقبل النقض انه يبطن الكفر ويظهر الأسلام كذبا , ثانياً يدعى المنافق الى الإسلام بوعظ ويذكر بالله ويجري عليه احكام الإسلام الظاهرة ويغلظ عليه عند مخالفة الشرع , وللدعوة بين المسلمين عنده ميدانان ( أ) التربية والتعليم (ب) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكل منهما اصول وقواعد, قواعد في التربية على الإسلام وتعليمه تصور النموذج المثالي للأنسان الكامل والعبد الصالح ,التعليم الدائم ,الأخذ بالعلم والعمل ,اغتنام سني الحفظ الذهبية عند الصغر , تعلم الحق قبل الباطل ,التحصن بجواب الشبهة قبل ورودها التربية بالأسوة الحسنة والحلم بالتحلم والتدرج في التعليم والتقويم المستمر ,تعليم الناس ما يحتاجون اليه على قدر افهامهم, عدم تضييع الوقت في ابطال الشبهة الواضحة البطلان ,الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ولا امر بمعروف او نهي عن منكر الا بعد العلم بما تأمر به وتنهى عنه واتخاذ احدى مراتب الأنكار اتباعاً للحكم والقدرة بين اليد واللسان والقلب ووجوب اتباع المصالح الشرعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واخلاص النية والبعد عن الهوى كذلك الرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووسائل الدعوة عنده هي : كل وسيلة امر الله بها وصولاً الى الغاية فكل ما ادى الى المقصود فهو مقصود اما حكم الوسائل التي تختلط فيها المصالح والمفاسد فاذا رجحت المصالح على المفاسد كان اتخاذ هذه الوسيلة مشروعاً اما حكم الوسائل المحرمة فكل ما حرمه الله سبحانه فلا يجوز استخدامه في الدعوة الى الله وأعظم وسائل الدعوة عنده تعلم القرآن وتعليمه ونشره ,اعلاء منزلة الرسول في الأمة ونشر كتب السنة المطهرة,لذلك جعل الله الخلافة في الأرض للإمام المسلم الذي يقوم بهذه المهمة,تجنيد طاقات الأمة كلها في الدعوة الى الله وفي طليعتها العلماء العاملون والمربون , احياء مهمة المساجد, اغتنام شهر رمضان والحج والجماعات الدعوية والمؤسسات التعليمية والوسائل الأعلامية.
انعكاس دعوته على شخصيته :
لقد انعكست مهنته الدعوية رحمه الله على سائر شخصيته بشكل كلي فاستحال التفريق بينهما والتي عند دراستها يجب ان نتوجهه نحو هذا البعد اولاً اي الداعية يكن تلك الصفة هي الفريدة الأم التي تمحورت عندها مواهبه وخصائله وقبل البحث عن اية عناوين أخرى لأن مجمل حركته ارتبطت وثيقاً ليس بين شيئين انما بلغت حد التوحد فمن المستحيل ان نجد اي طيف للدكتور يكن خارج اطار الداعية, كان المتفائل برغم الصعاب المتصالح مع نفسه والآخر .
لم لا فعقيدته قررت ان الله رب الإنسان خلق هذه القوى كلها لتكون له صديقاً وسبيله لتلك الصداقة ان يتأملها ويتعرف عليها وإن كانت تؤذي الإنسان احياناً فلأنه لم يتدبرها ويعرف الناموس الذي يسيرها لقد انعكس الإسلام على داعيتنا بكليته فكان كما عرفناه مطمئناً قد وجد ضالته في الوجود الموحد الصادر عن ارادة واحدة فأجابته عن كل اسئلته التي احتاج اليها في دعوته فالأنسانية التي تاهت عنده انما لأنها ظلت تفرق بين القوى الروحية والمادية تنكر احداها لتثبت الأخرى لا تعترف بوجودهما الا في حالة تعارض وخصام وتصوغ تعاليمها على هذا الأساس ونسوا ان وراء هذا جميعه قوة الأزل والأبد يقول داعيتنا انها الوحدة التي تعقد السلام الدائم بين الكون والحياة وبين الحياة والأحياء والجماعة والفرد والأشواق والنزعات والدين والدنيا والأرض والسماء وهي لا تعقد هذا السلام على حساب الجسد ولا على حساب الروح ولا على حساب الفرد او الطائفة او الجيل فلكل حقوقه وواجباته على سنة العدل والمساواة عن تلك الوحدة اخذ داعيتنا تشريعاته وتعليماته وفرائضه وتوجيهاته وحدوده وقواعده في السياسة والمال والمغانم والمغارم والحقوق والواجبات كان عاشقاً للحرية اي للعدالة الانسانية الشاملة لكل جوانب الحياة ومقوماتها وليست عنده مجرد عدالة اقتصادية ومادية بل ممتزجة بالقيم المعنوية والروحية لأن الحياة عنده تراحم وتواد وتعاون وتكامل محدد الأسس مقرر النظم .
كان ايمانه مبدأ تكافؤ الفرص بالعدل للجميع مفتوحاً بالجهد والعمل ثم اعاد التصنيف للقيم الأصيلة , والإسلام عنده يقيم العدالة على اسس ثابتة يحدد لبلوغ اهدافها وسائل معينة فلا يدعها قضية غامضة ولا دعوة مجملة لأنه دين حياة لا دعوة في عالم المثال فالإسلام يعد واقعاً ويمد بصره الى جميع الآفاق ويحسب حساباً لجميع المصالح ويهدف الى تحقيق غاية تشمل الانسانية كلها من البدء الى النهاية تلك هي النظرة الكلية البعيدة الأهداف الى العدالة وهي التي برأي الداعية يكن تفسر نظام الملكية الفردية والارث والزكاة والحكم والمعاملات…الى آخر ما يتضمنه الإسلام من نظم تتناول الأفراد والجماعات والأمم والأجيال حيث التحرر الوجداني المطلق والمساواة الإنسانية الكاملة والتكافل الإجتماعي الوثيق, فليست العبادات برأي داعيتنا مجرد الفاظ وحركات بل توجه كلي بالقلب والفكر والجسد في وقت واحد الى الله قادر على تحرير الوجدان من شعور الخضوع لغير الله فيتحرر من الخوف الذي يصيب عادة اهل الدنيا من قلق عليها فإذا استشعر الضمير البشري هذا كله ووجد من الضمانات الواقعية والقانونية ما يؤيد في نفسه هذا الشعور فلن يكون في حاجة لمن يهتف له بالمساواة لفظاً وقد استشعرها في اعماقه معنى ووجدها في حياته واقعاً .
والإسلام عنده لم يكتف بالمفهومات الضمنية المستفادة من التحرر الوجداني فقرر مبدأ المساواة باللفظ والنص لقد قرر الإسلام المساواة لأنه قرر وحدة الجنس البشري في المنشأ والمصير والمحيا والممات والحقوق والواجبات امام الله والقانون في الدنيا والآخرة لقد ايقن داعيتنا كما يقول الإسلام وثبة بالإنسانية لم يعرف التاريخ لها نظير ولن يكون , ويؤكد ان الإسلام تعقب مظان التفاوت والتفاضل الا بالتقوى والعمل الصالح في صورها وملابساتها وأسبابها والإسلام عنده يمنح الحرية الفردية في اجمل صورها والمساواة الإنسانية في ادق معانيها لكنه لا يتركها فوضى فللمجتمع حسابه وللانسانية اعتبارها وللأهداف العليا للدين قيمتها لذلك يقابل مبدأ التبعية الفردية في مقابل الحرية الفردية ويقرر الى جانبها التبعية الجماعية التي تشمل الفرد والجماعة بتكاليفها اما وسائل العدالة عنده أن الإسلام يعمل من داخل النفس وأعماق الضمير لكنه لا يغفل عن الواقع العملي في محيط الحياة وحقيقة النفس البشرية وما يعتريها بقدر علمه العميق بأغوارها يشرع ويوجه ويصوغ الأوامر والنواهي ويضع الحدود وينفذها ثم يهتف للضمير أن يتسامى فوق التكاليف المفروضة ما استطاع عندما تصبح الحياة ممكنة تعرج في معارج الكمال من تسامح وتسام عن طواعية ورضى وإقبال يمنح الحياة قيمتها الإنسانية المترفعة عن القيود والضرورات وضغط القوانين ودفع التكاليف لذلك كان النصر والتمكين في الأرض لمن يؤدون ما استطاعوا حق الله عليهم .
ويقوم النظام الإسلامي عنده على فكرتين اساسيتين مستمدتين من تصوره الكلي للألوهية والكون والحياة والإنسان: فكرة وحدة الإنسانية في الجنس والطبيعة والنشأة , وفكرة ان الأسلام هو النظام العملي العام الذي لايقبل الله سبحانه من احد نظام غيره لأنه لا يقبل من احد ديناً الا الإسلام والدين في المفهوم الإسلامي عنده هو النظام العام الذي يحكم الحياة, وفي السياسة المالية يسير الإسلام عنده على هدي نظريته العامة وفكرته الشاملة ويتبع في تحقيق هذه السياسة وسيلتين اساسيتين : التشريع والتوجيه, فيبلغ بالتشريع الأهداف العملية الكفيلة بتكوين مجتمع صالح قابل للرقي والنماء ويرمي بالتوجيه الى التسامي على الضرورات والتطلع الى حياة ارفع والرقي بالحياة الى عالم المثل الذي لا يملك احد ان يرتفي اليه الا بالإسلام , والإسلام عنده يقرر حق الملكية الفردية للمال بالوسائل المشروعة ولا شبهة في تقرير ذلك الحق الواضح الصريح وأنه قاعدة الحياة الإسلامية والاقتصاد الإسلامي التي لا تخالف الا الضرورة بقدر , وتقرير هذا الحق يحقق العدالة بين الجهد والجزاء فوق مسايرته للفطرة واتفاقه مع الميول الأصيلة للنفس البشرية التي تتفق مع مصلحة الجماعة باغراء الفرد على بذل الجهد لتنمية الحياة التي تحقق العزة والكرامة والاستقلال ونمو الشخصية للأفراد بحيث يصبحون امناء على الدين يقفون في وجه المنكر يحاسبون الحاكم وينصحونه دون خوف من انقطاع أرزاقهم لو كانت في يد الحاكم .
والفرد مفطور على حب الخير لذاته فلا ضير ان يقبل على العمل والانتاج لأنه يلبي اشواقه وحاجات نفسه ولا يشعر انه مجرد مسخر للعمل يبذله كارهاً بائساً والجماعة بعد ذلك تستفيد من هذا الجهد والكد بقواعد وضعها الإسلام تتيح هذه الفائدة ولا يجوز تحطيم الحوافز الطبيعية المعتدلة للفرد والجماعة لأن احترام الإنسانية يقتضي النظر بعمق لطبيعتها وأصالة فطرتها وتأصل جذورها لتكون اكثر تعقلاً وأشد تحرجاً وأدق تفكيراً في محاولة توجيهها واقامة نظمها فدلائل السنين التي عاشتها البشرية لا يجوز ان تذهب سدى لنفترض نظريات عن ميولها وفطرتها وسلوكها ثم نطبق هذه النظريات قهراً وقسراً ! وطبيعة تلك الملكية عنده ليست مطلقة بلا قيود او حدود فالفرد وكيل في هذا المال عن الجماعة وحيازته له وظيفة اكثر منه امتلاكاً والمال في الأصل حق الجماعة والجماعة مستخلفة فيه عن الله انما جاءت من بذل الفرد جهداً خاصاً لحيازة بعض هذه الملكية التي استخلف الله فيها جنس الانسان فهي ملكية التصرف والانتفاع فلا قيمة للملكية العينية دون ذلك فإذا سفه التصرف حق للوالي والجماعة استرداد حق التصرف وعلى كثرة ما يشيد الإسلام برأيه بالقيم المعنوية ومهما تسامى بها عن الضرورات الأرضية الا انه لم يغفل القيم المادية ولا يكلف الناس فوق طاقاتهم لذلك كره ان يكون المال دولة بين الأغنياء فحسب وهكذا للإسلام قواعد في وسائل التملك وتنمية الملكية وطرق انفاقها كما ان للإسلام روحاً يصعب ضبط مصطلحه في قالب من اللفظ المحدود , هذه الروح ترسم الأفق الأعلى الذي يطلب الإسلام من معتنقيه أن يتطلعوا اليه ويحاولوا بلوغه وصعوبة الملتقى وتعذر الاستواء عليه طويلاً لا يعني ان الإسلام فكرة شاعرية خيالية ومثل وجداني تدركه الأشواق وتقصر دونه الأعمال فذلك الأفق الأعلى الذي نتحدث عنه لا يكلفه كل انسان في جميع الأزمان انما هو هدف مرسوم لتحاول البشرية اليوم وغداً كما حاولته بالأمس فبلغته احياناً وقصرت عنه احياناً , مثل فيه من الثقة بالإنسان وضميره وطاقاته قدر كبير ودليل على ان الإنسانية غير ميؤوس منها دونه فسيح عمل وواقع مستطاع للأكثرين , لتلك الروح أثر في واقع الإسلام التاريخي فاستمال الإسلام وهو عقيدة وتصور شخصيات ووقائع ولم يعد نظريات مجردة ولا مجموعة ارشادات ومواعظ ولا مثلاً وأخيلة انما عاد نماذج انسانية تعيش بيننا .
نرجوا الله أن يكون داعيتنا كان منها بوقائعه العملية تحققت سلوكاً وتصرفات شهدت لها العين وسمعت لها الأذن فتركت آثارها في واقع الحياة وفي اطوار التاريخ .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى