وطنية – كتبت صحيفة “الأخبار”: لا يواجه الفلسطينيون حرباً أميركية – إسرائيلية في الميدان فقط، بل يواجهون معركة سياسية لا تقلّ قساوة، يشارك فيها عرب باتوا يرون في صمود المقاومة انكساراً لهم، وبينهم من يلعب دور الوسيط في ملف الحرب على غزة. مرة جديدة، يصح القول إن الموقف القطري ليس بالسوء الذي يتّسم به الموقف المصري، لكن للدوحة حسابات دقيقة في هذه المرحلة الانتقالية من الحكم في الولايات المتحدة. ورغم أنها لن تذرف الدموع إذا خسرت إسرائيل الحرب، إلا أنها لن ترفع أقواس النصر للمقاومين.تحدّي المقاومة في هذه المرحلة من المفاوضات، يكمن في أن الضغط يأتي مرة واحدة عبر الجانب العربي. وما حملته تطورات الأسبوعين الأخيرين، عكس حرص الوسطاء من العرب على إنجاز تسوية ترضي الأميركيين أولاً وأخيراً. وهو إنجاز لا يتحقق إلا بالضغط على المقاومة، والسير في محاولات بائسة للإيقاع بين أطراف المقاومة نفسها.
بعد أسبوع من عملية «طوفان الأقصى» سلّمت الفصائل الفلسطينية بقيادة حركة حماس للمعركة. وأبلغ قادة الفصائل قيادة الحركة في الخارج وقيادة كتائب القسام في الداخل بأن الجميع يسير خلفهما. وهو موقف التزم به أطراف محور المقاومة أيضاً، حتى عندما كانوا يدقّقون في خلفية العملية الكبيرة التي جرت. وإلى ما قبل السير باتفاق الهدنة الأول، كان الجميع قد ثبّت المعادلة، وعلى أساسها، تمّ الاتفاق على أن أحداً من الأطراف الفلسطينية أو القوى الحليفة لحماس لن يتصدى لأي دور في المفاوضات، وكل من طرق أبواب حركة الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية أو حزب الله سمع جواباً واحداً: اقصدوا حماس، ونحن نسمع منها الموقف!
سارت الأمور على هذا النحو. وهي سياسة مثّلت قناعة لدى أهل المقاومة. وهو ما يؤكده قائد جهادي كبير في المقاومة الفلسطينية لـ«الأخبار» بالقول: «لقد بدا واضحاً لنا جميعاً أن مصلحة المقاومة تقتضي أن تكون حماس قوية، وما يجري على الأرض، لا يتيح المجال لأي نوع من المنافسة بين قوى المقاومة. لقد أبلت حماس بلاء حسناً ميدانياً وسياسياً، وكانت على قدر المسؤولية، وتحمّلت الكثير من الضغوط، وهي في موقع نالته عن جدارة وليس منّة من أحد. لذلك، سار الجميع برضى خلف قيادتها، وكل المشاورات التي تجري معها حول كل التفاصيل، لا تلغي الهامش الكبير الذي تتمتع به، وأن القول الأخير يعود إليها».
ويروي القائد الجهادي الكبير كيف أن التسليم بقيادة حماس لم يشكّل أي خطر أو ضرر على خطط المقاومين على الأرض. ويلفت إلى أن «الوسطاء وبعض الحلفاء، وكل الخصوم والأعداء، فوجئوا بالإدارة المتقنة للوضع على الأرض، ولم يكن لهؤلاء أن يصدّقوا بأن إدارة الميدان إنما تسير وفق قواعد واضحة ليس فيها أي لبس، وأن التعاون الميداني يجري بسلاسة قلّ نظيرها، وأن قيادة حماس في الخارج لا تتخذ أي قرار إلا بعد التشاور مع الجميع، وبالأخص مع قيادة القسام في قلب غزة».
وبناءً عليه، يكشف القائد الجهادي الكبير عن محاولات فاشلة ماتت في لحظتها، قام بها العدو الإسرائيلي نفسه، مباشرة أو من خلال وسطاء عرب أو أجانب، وبعض عملاء إسرائيل من العاملين في منظمات دولية بينها الأمم المتحدة. وقد جرّب هؤلاء فتح قنوات تواصل مع قيادات أهلية في غزة، وسمعوا الأجوبة الصادمة بأن اذهبوا إلى حماس. ثم حاولوا فتح قنوات جانبية مع الجبهة الشعبية وفصائل من منظمة التحرير لديها أذرع عسكرية في القطاع، وقادوا مبادرة اعتقدوا بأنها ستكون مغرية لقيادة «الجهاد الإسلامي»، وسمعوا الجواب نفسه، ومع ذلك، فإن الطرف الخصم لا يزال يحاول كسر الوحدة القائمة خلف حماس.
آخر المحاولات، ستحصل خلال الأيام القليلة المقبلة، عقب دعوة وُجّهت باسم الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي من خلال رئيس مخابراته اللواء عباس كامل إلى قيادات الصف الأول في الجبهة الشعبية وحركة الجهاد لزيارة القاهرة للتشاور حول الوضع وحول إمكانية «إحداث خرق يقود إلى صفقة تريدها الولايات المتحدة أن تحصل الآن».
وبحسب القائد الجهادي، فإن الفصائل ستزور مصر، وستكون هناك اجتماعات منفصلة أو مشتركة، ويُفترض أن يصل وفد قيادة «حماس» أيضاً إلى مصر، حيث يتواجد ممثلون عن الولايات المتحدة وقطر، بينما يجلس الإسرائيليون في فندق خاص ينتظرون نتائج الاجتماعات. لكنّ الواضح والمحسوم من قبل فصائل المقاومة أن الكلام الذي سيتم إسماعه للمصريين أو أي طرف آخر موجود هناك، سيكون سقفه أعلى بكثير من سقف الموقف الذي تعلنه حركة حماس، وعندها، ربما يعود الجميع إلى رشدهم، ويفهمون أن المقاومة في أعلى درجات الانسجام، مع أمل بأن يتوقفوا عن أحلام التفرقة التي تُبنى على أوهام لا أحد يعرف مصدرها، لكنها على الأرجح، تعكس تمنيات غالبية خصوم المقاومة.
وحول هذه النقطة، يشرح القيادي أن العدو نفسه، وكذلك الأميركيون والمصريون وحتى القطريون وأطراف أخرى، كانوا يعتقدون بأن هناك تبايناً في وجهات النظر بين قوى المقاومة، سواء على صعيد غزة أو على صعيد محور المقاومة. واستند هؤلاء في تقديرهم إلى معطيات حول أن عملية طوفان الأقصى لم تحصل بعد تشاور مسبق مع الفصائل الفلسطينية أو قوى المحور، وأن التقييم حول شكل مشاركة قوى المحور في المعركة يعكس خلافات أيضاً، كما راهن الأعداء على أن التباينات الموجودة داخل حركة حماس بشأن ملفات سابقة لعملية طوفان الأقصى، ستنعكس أزمة على آلية إدارة المعركة، وأن بقية الفصائل ستكون عرضة لضغوط الناس المتألّمين أكثر من «حماس» نفسها.
ويكشف القائد الجهادي عن جديد نوعي حصل على مستوى قوى محور المقاومة، إذ إن النقاش الذي جرى في أول أسبوع بعد عملية طوفان الأقصى حُسم لمصلحة فتح جبهات الإسناد للمقاومة في كل مكان ممكن، من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن، وإلى إطلاق عملية دعم مباشر للمقاومة في فلسطين، في الضفة الغربية أو في غزة نفسها، وأن غرفة العمليات المشتركة الخاصة بقوى المقاومة، والموجودة خارج فلسطين، تقود برنامج عمل يهدف إلى تحقيق جملة أمور، تشمل توفير متطلبات الدعم المباشر للمقاتلين في غزة، وتزويد كتائب المقاومين في غزة بتقارير استخباراتية يومية، فيها رصد دقيق لحركة قوات الاحتلال داخل القطاع وخارجه، إضافة إلى برنامج مكثّف لا يتوقف لتهريب الأسلحة المناسبة إلى المقاومين في الضفة الغربية، وحتى إلى غزة، مع سعي حثيث لتجاوز عقبات الأنظمة الحليفة للعدو.
ويشير القائد الجهادي إلى أن المشاورات المفتوحة مع الحرس الثوري في إيران، ومع قيادتَي حزب الله وأنصار الله، أفضت إلى جعل برنامج عمليات الإسناد يتصاعد ويتخذ موقعاً ضاغطاً بقوة على العدو وحلفائه، وأنه خيار لن يتوقف مهما كان مستوى الضغط السياسي أو الميداني من قبل العدو وحلفائه، وقد نجحت جبهات الإسناد في تضييق هامش حلفاء العدو من العرب، فليس في لبنان وسوريا والعراق من يقدر على منع المقاومة من أداء دورها، وحتى من ينادون بوقف الحرب، ليسوا قادرين على إدانة فعل المقاومة. والأمر نفسه ينطبق على مناطق أخرى، مثل الأردن الذي تمارس سلطاته أقسى الإجراءات التي تحول دون وصول السلاح إلى فلسطين، لكنها تخشى إطلاق مواقف من شأنها تفجير الوضع، رغم أنها تستفيد كثيراً من «نقص في الوعي السياسي» عند قوى وجماعات إسلامية.
ولا يبدو أن حال مصر والسعودية أفضل من الآخرين، حيث الخسائر الكبيرة جراء ما تقوم به حركة أنصار الله في اليمن، فها هي مصر تخسر نصف عائدات قناة السويس، لكنها غير قادرة على فعل أي شيء. وها هو السيسي يواجه أزمة جدية داخل قياداته العسكرية التي شعرت بأن العدو يوجّه إليها إهانات تلو إهانات، كما أنها غير قادرة على منع جرائم العدو في غزة، وهي اطّلعت مسبقاً على خطط غزو رفح، لكنها خُدعت من قبل العدو الذي لم يطلعها على كامل برنامجه.
أما السعودية التي تعاني قلقاً إضافياً يؤثّر على برامج التطبيع الكبيرة، فلا يمكنها السير في تسوية لا تبدأ بوقف الحرب على غزة. وهي لا تريد توريطها في الحرب الأميركية على اليمن. وإلى ذلك، تعيش اليوم حالة استنفار أمني وإعلامي لمنع تحويل مناسك الحج إلى مناسبة للتعبير عن التضامن مع غزة وأهلها ومقاومتها، ووصل الأمر بمسؤول سعودي إلى القول: لو أن جائحة كورونا ما زالت موجودة، لألغينا موسم الحج هذه السنة أيضاً!
حتى الإمارات العربية المتحدة سارعت إلى طلب العون خشية أن تتحول أراضيها إلى ساحة للرسائل النارية للعدو الذي دخل باسم التطبيع، فقد طلبت بصوت خفيض أن يحدّ الإسرائيليون من زياراتهم إلى أراضيها، وصارت تتشدد في منح تأشيرات الدخول لهم.
ويقول القائد الجهادي الفلسطيني الكبير إن مصالح حلفاء أميركا كانت لتكون مختلفة لو أن لديهم أجندة مختلفة. فهم، اليوم، يشاهدون ويلمسون حال جيش الاحتلال وكيف أن هيبته كُسرت في غزة، وليس بمقدوره أن يعد جمهوره أو جنوده بشيء من الأمان، فكيف يعد الآخرين بخدمات حماية، وبدل أن يرفعوا من سقف مطالبهم، تراهم يتآمرون على المقاومة في كل المنتديات. وهم يحضّرون لحملة سياسية تستهدف تحميل المقاومة مسؤولية ما حلّ بقطاع غزة، ويعرضون الأموال السخية إذا أطاح أبناء غزة بقيادات المقاومة، وهو حال كثيرين، من الذين لا يمكن للمقاومة أن تتعامل معهم إلا على قاعدة أنهم شركاء للعدو في حربه، وفي مصابه أيضاً.