Responsive Image
أخبار الجبهةاخبار لبنان

جبهة العمل الإسلامي تحيي ذكرى وفاة مؤسسها الدكتور فتحي يكن بلقاء فكري سياسي علمائي موسع في بيروت والكلمات تشيد بالراحل الكبير

في الذكرى الخامسة عشرة على رحيل رئيسها ومؤسّسها الداعية الكبير سماحة الشيخ الدكتور “فتحي يكن” رحمه الله تعالى نظّمت جبهة العمل الإسلامي في لبنان لقاءً خطابيّاً نوعيّاً نخبويّاً حاشداً تحت عنوان “فتحي يكن إمام الوحدة والجهاد والمقاومة”، وذلك في أوتيل “غاليريا” في بيروت حضره حشد كبير من السياسيين وممثّلي رؤساء وممثّلي الأحزاب والشخصيّات الوطنيّة اللبنانيّة والفصائل الفلسطينيّة وجمع كبير من الأكاديميين والإعلاميين وأصحاب الفكر والدعوة والعلماء الأفاضل من كل المناطق اللبنانيّة والمخيّمات، افتتح بتلاوة مباركة من القرآن الكريم من فضيلة الشيخ بلال شحيمي وقدمه عريف اللقاء فضيلة الشيخ عبد الفتاح الأيوبي، وتعاقب على الكلام في هذا اللقاء:

منسّق عام جبهة العمل الإسلامي في لبنان سماحة الشيخ الدكتور زهير الجعيد، سعادة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانيّة في لبنان الدكتور مُجتبى أماني، رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المقاومة سماحة الشيخ ماهر حمود، عضو المجلس السياسي ومسؤول الملف الإسلامي في حزب الله سماحة الشيخ عبد المجيد عمّار، القيادي في حركة المقاومة الإسلامية – حماس الأخ أسامة حمدان، نائب رئيس المكتب السياسي في حركة أمل سماحة الشيخ حسن المصري، رئيس مجلس أمناء تجمّع العلماء المسلمين سماحة الشيخ غازي حنينة، وختم اللقاء بكلمة عائلة الراحل الكبير ألقاها عضو قيادة جبهة العمل الإسلامي ورئيس مجلس أمناء جامعة الجنان الدكتور سالم فتحي يكن.

وجاءت الكلمات على الشكل التالي:

الشيخ زهير الجعيد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد
من الصعوبة بمكان أن أقف للحديث عن رجل بحجم الداعية والمفكر والمرشد الإنسان الدكتور فتحي يكن رحمه الله.. والأصعب أن تستطيع أن تجمع خصاله العلمية والروحية والدعوية والسلوكية والأخلاقية والعملية في بضع كلمات وإن كانت لا تسعها مجلدات، فقد جمعت فيه رحمه الله تعالى قيم جعلت منه قائداً عصياً على النسيان، فهو الداعية والمفكر، ورؤاه التي تناولتها بصيرته تؤكدها الحوادث وتثبت الأيام صحة ما كان يقول.

هو العالم الوحدوي بحق، فهو من آمن بأن الإسلام أوسع من أن تحتكره فئة أو يتقوقع لعصبية أو يُختصر بمذهب، فأيقن بأن وحدة المسلمين عزة للإسلام وأهله وأنها التي تحقق العزة والسؤدد وتعيد أمجاد الأمة إلى عصرها الذهبي. لذا فهو لم يألو جهداً منذ تشكل وعيه المبكر وانخراطه في العمل الدعوي والتبليغي وحمله للرسالة النبوية في جمع الكلمة ورص الصفوف خدمة للأمة من خلال ترسيخ العقيدة الإسلامية الصافية البعيدة عن الغلو والتطرف، وشحذ النفوس تعبداً لله وتقوية للمجتمع في مواجهة الفتن والمؤامرات، وحث الأمة جمعاء على التمسك بالقضية الأولى فلسطين وإحيائها في كل اجتماع أو لقاء أو مؤتمر أو ندوة، وحث الشباب على الجهاد في سبيل الله ومقاومة العدو الصهيوني، وأن الجهاد والمقاومة هما السبيل الوحيد من أجل تحريرها كاملة وتحرير مقدساتها الإسلامية والمسيحية من دنس ورجس الاحتلال الصهيوني.
ومن منا لم يقرأ كتابه ماذا يعني انتمائي للإسلام الذي خطته أنامله عن قلب مؤمن بالإسلام الصافي الموحد بعيداً عن المسائل الخلافية، فكان هذا الكتاب ألف باء الحركة الإسلامية الذي ينشأ من أراد الانتماء لهذه الحركة على القواعد التي أرساها.

كما وأثرى المكتبة الدعوية الإسلامية بكثير من المؤلفات والبحوث والمقالات التي ترجمت لعدة لغات عالمية يضيق هذا المقام عن تناولها مفصلة.
وسارع منذ البدايات لتحويل هذه الرؤى التي يؤمن بها إلى مشروع إسلامي عملي فأسس مع إخوانه الذين يتوافقون معه الرأي الجماعة الإسلامية متأثراً بفكر ونهج الشهيد الإمام حسن البنا رحمه الله تعالى.
وإن تجربته التشريعية والقانونية عبر البرلمان اللبناني كرئيس لكتلة الجماعة الإسلامية مشهودة ومثار إعجاب وخاصة أنها كانت تجربة جريئة بعد مخاض داخل الحركة الإسلامية بجواز أو عدم جواز دخول البرلمانات التي لا تحكم بالشريعة الإسلامية فكان القرار الصائب والمقدام في خوض الانتخابات والنجاح فيها والتفرغ للعمل البرلماني تاركاً مسؤولية الأمانة العامة في الجماعة حينها.
ومما لا شك فيه أن الانتصار الكبير للمقاومة عام 2000 وتحرير معظم الأراضي اللبنانية وخروج العدو الصهيوني مهزوماً مدحوراً دون قيد أو شرط، وهذا بفضل جهاد المقاومين من كافة الأحزاب والقوى وفي طليعتهم المقاومة الإسلامية – حزب الله.. والمقاومة الإسلامية – قوات الفجر التي كان الداعية يكن من أكبر الداعمين لها ولعملياتها إضافة لتبنيها ودعمها من الحرس الثوري الإيراني والذي طالما أعلن قائدها الحاج عبد الله الترياقي ذلك صراحة ودون مواربة، ونتيجة للوحدة والالتفاف والاحتضان الشعبي للمقاومة من أغلبية الشعب اللبناني. وبعد فشل الاحتلال الأمريكي للعراق في تحقيق غايته الأساس بإيقاع الفتنة بين المسلمين، ومقاومة الشعب العراقي له، فقام بحياكة المؤامرات وكان أشدها اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري رحمه الله تعالى لتحقيق أمور عدة عبر استغلال دمه من خلال الزلزال الكبير الذي أحدثته عملية الاغتيال:

١- ضرب الخيار العربي القومي الذي تبناه اللبنانيون من خلال اتفاق الطائف عامة، وإقصاء أهل السنة والجماعة عن العمل المقاوم وإلحاقهم بالمحور الأمريكي وأدواته في لبنان تمهيداً لمشروع الاستسلام والتطبيع في العالم العربي والإسلامي.

٢- ضرب الوحدة الإسلامية وإيقاع الفتن المذهبية والطائفية إضعافاً للمقاومة ولاحقاً لإنهاء القضية الفلسطينية.

٣- إخراج سوريا من لبنان وما تمثله من خيار عربي ممانع ومقاوم تمهيداً لهيمنة أمريكا وحلفائها بشكل كامل وتام على هذا البلد.

وفي ظل هذه الأجواء الداكنة بادر المرحوم يكن مع ثلة قليلة من إخوانه المخلصين انطلاقاً من المسؤولية الشرعية والتزاماً بالثوابت الوطنية إلى تأسيس جبهة العمل الإسلامي لتكون صوت الوحدة والتلاقي والمقاومة في الوقت الذي تخلى فيه الكثيرون عن خيار المقاومة والقضية الفلسطينية نتيجة للبث الإعلامي الفتنوي الحاقد. وكان تأسيسها رداً عملياً على كل مشاريع الفتنة وهذا ما تم تكريسه من خلال العلاقة الأخوية المميزة بين الدكتور فتحي يكن وسماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الذي كان يبدي في كل لقاء يجمعهما كل ود واحترام وتقدير للراحل الكبير، وكانت صلاة الجمعة الجامعة في ساحة الشهداء التي تم الاتفاق على إقامتها بين الرجلين بإمامة الداعية يكن وحضور عشرات الآلاف من السنة والشيعة يتقدمهم العلماء من الطرفين هي الرد العملي والساحق على المشروع الفتنوي والتي آتت أكلها بوأد الفتنة وإطفاء لهيبها في تلك الحقبة فكان بحق إمام الوحدة الإسلامية.

وأما في موضوع المقاومة فقد اقترح الدكتور فتحي على سماحة السيد في أحد اللقاءات الأخيرة بينهما أن تكون هناك قيادة موحدة وغرفة عمليات مشتركة لكل من يؤمن بالعمل المقاوم ويريد الانخراط فيه فعلياً دون الالتفات لدينه أو مذهبه أو انتمائه الحزبي أو العرقي فلاقى هذا الاقتراح ترحيب سماحة السيد وطلب منه إعداد مشروع متكامل لهذا الطرح، ولكن المنية عاجلته قبل إتمام المشروع، فكان بحق بشمولية نظرته للمقاومة إماماً للمقاومين. وها هو حلمك قد تحقق من خلال وحدة كل الفصائل المقاتلة ضمن محور المقاومة ووحدة الساحات التي تجلت في أبهى صورها بمعركة طوفان الأقصى.

ختاماً: من المعلوم لدى الجميع أن جبهة العمل الإسلامي التي كانت آخر وديعة للدكتور فتحي يكن بنيت على أركان أربعة:
١- الوحدة الإسلامية مصداقاً لقوله تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) وقوله: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).
٢- تبني قضية فلسطين ونصرة أهلها وعدم الاعتراف بالمحتل والعداء المطلق والدائم للصهيونية.
٣- الجهاد والمقاومة هما خيار الأمة الوحيدان لتحرير الأرض والمقدسات وعدم المساومة على حبة تراب من أرض فلسطين المقدسة وبلادنا العربية ورفض كل أشكال اتفاقات العار والذل والتطبيع مع هذا الكيان المؤقت.
٤- رفض واستنكار ومواجهة كل الطروحات التكفيرية والأعمال الإرهابية والأفعال والأقوال الفتنوية، فالإسلام دين الله وهو مظلة لكل المسلمين دون تفرقة.

من هنا ومن المفاهيم التي أرساها فينا الدكتور فتحي يكن كنا رافضين بجرأة للمؤامرة في سوريا ووقفنا في وجه الإرهابيين والتكفيريين لأننا كنا نرى بعيون الداعية يكن أن ما يحدث هو مؤامرة لضرب الدور المحوري المقاوم لسوريا، والقضاء على قوى المقاومة المرابطة على تخوم فلسطين.
وفي الذكرى الخامسة عشرة لرحيلك نعاهدك أيها القائد المعلم بأن نسير على نهجك جميعاً في هذه الجبهة متحدين وأن نعمل على ما كنت ترنو إليه.
* سنبقى في خط المقاومة وجزء أساسي منها وبشراكة مع رأسها حزب الله وضمن محورها الممتد من فلسطين إلى طهران مروراً بسوريا والعراق واليمن ما أظلم ليل وأشرق نهار.
* سنبقى رافعين للواء الوحدة الإسلامية إيماناً منا بأنها تكليف إلهي وأنها سبيل الانتصار.
* ستظل القضية الفلسطينية أولى أولوياتنا ولن نساوم قيد أنملة عليها وأن فلسطين كل فلسطين من بحرها إلى نهرها بكل حبة تراب منها يجب أن تحرر بالجهاد والمقاومة.
* سنقف في وجه الفتن المذهبية والطائفية والقومية وسنحارب الإرهاب والتكفير وكل من يقف وراءهما.
* سنحافظ على هذه الجبهة وخطها ونهجها ومسيرتها واحدة متحدة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السفير مجتبى أماني

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا النبي المصطفى أبي القاسم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الأخيار المنتجبين.

السادة أصحاب السماحة والفضيلة والسعادة
الإخوة في قيادة جبهة العمل الإسلامي في لبنان
أيها الحفل الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
”أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد“.
”والعلماء مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء وورثتي وورثة الأنبياء“.
نعم أيها الأحبة
نجتمع اليوم لنحيي الذكرى الخامسة عشرة لرحيل رجل كبير من رجالات أمتنا الإسلامية وشخصية إسلامية فذّة، الداعية العالم الدكتور فتحي يكن الذي صدق ما عاهد الله تعالى عليه فأمضى حياته جهاداً في سبيل الله تعالى أمراً بمعروف ونهياً عن منكر، حياة ملؤها الحب والخير للإنسان متجاوزاً كل العوائق والعلائق التي تبعد الناس عن بعضهم البعض ليكون صوتاً جامعاً بين النفوس والقلوب على الخير والهدى والقيم الإلهية التي تجمع بين البشر.
في ذكرى رحيل عالمنا الكبير الداعية الدكتور فتحي يكن نقف متأملين لنستلهم العِبَر والدروس من مسيرة جهاده التي ناهزت نصف قرن ونيّف برز فيها عالماً إسلامياً على صعيد العالم الإسلامي لأنه حمل قضايا الأمة الكبرى وفي طليعتها قضية فلسطين والقدس فكان صوتاً داعماً وعاملاً دؤوباً من أجل تحرير فلسطين ودعم مقاومة شعبها المجاهد المضحي. معتبراً أن وحدة الشعب الفلسطيني وكافة قواه الحية المناضلة هي السبيل لتحقيق النصر على العدو الصهيوني.
وعندما بزغ فجر الثورة الإسلامية في إيران بقيادة العبد الصالح الإمام روح‌ الله الموسوي الخميني قدس سره، وقف فقيدنا العزيز إلى جانب ثورة الشعب الإيراني وقيادته الحكيمة معتبراً أنها ثورة الحق ضد الباطل وثورة الإسلام ضد الكفر والطاغوت وثورة المستضعفين ضد المستكبرين فكان بمواقفه المشرّفة إلى جانب الجمهورية الإسلامية في إيران في مختلف المراحل الصعبة والقاسية دفاعاً عنها أمام مؤامرات الإستكبار العالمي وعملائه من أجل اسقاط الثورة الإسلامية التي ألهبت مشاعر المسلمين في العالم والتي أرَّخت بدماء شهدائها بداية عصر انتصار المستضعفين على المستكبرين.
الإخوة الأعزاء:
لقد واجه الداعية فتحي يكن خلال حياته الشريفة مؤامرات التفتيت والفتن التي تستهدف أمتنا وشعوبنا الإسلامية التي لا سبيل أمامها من أجل تحقيق حريتها وعزتها وكرامتها وطرد المحتلين الغاصبين الناهبين لثرواتها، إلا الوحدة، وحدة الأمة بكل تنوعاتها ومكوناتها هي الطريق الوحيد لتحقيق الانتصار.
وعلى الصعيد اللبناني، كان الدكتور فتحي يكن من أبرز رجالات لبنان الذين يُفتخر بهم لحرصه ومحبته ودعوته الدائمة لوحدة اللبنانيين مسلمين ومسيحيين وإلتفافهم حول مقاومتهم الشريفة الباسلة التي حققت الإنتصارات عام 2000 و2006، والتي نراها اليوم تمرغ أنف الكيان الصهيوني الأرعن في التراب في معركة إسناد غزة الأبية وشعبها الصامد.

ختاماً: التحية والسلام لروح عالمنا الكبير الداعية الدكتور فتحي يكن العالم الإسلامي الذي نفتقده ونفتقد أمثاله من علمائنا الكبار.
لكن عزاءنا بأن نهجه حي من خلال المقاومة الباسلة في لبنان وفلسطين التي ببركة جهاد مجاهديها ودماء شهدائها ستعيد لنا فلسطين والأقصى وكل أرض محتلة. وأن نهج الدكتور فتحي يكن في الوحدة والجهاد والمقاومة سيبقى مشعلاً ينير للأحرار درب العزة والمنعة والكرامة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الشيخ ماهر حمود
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
تعود معرفتنا بالدكتور فتحي يكن إلى العام ١٩٧١، نتحدث عن ٥٣ عاماً من المعرفة في ظروف متقلبة فيها لقاءات مباشرة وحوارات ساخنة فضلاً عن القراءة، لم تغادر أحداً بظني ممن ولج طريق الدعوة الإسلامية، كتيبات صغيرة بحجمها ومضمونها لكنها كانت ترسم الخطوط الرئيسية للعمل الإسلامي.
طرح شخصية هذا الرجل الكبير الذي بدأ مبكراً وكما كان يقول لنا أنه تعرض للسخرية عندما انتقل مع عدد من الفتيان الصغار من اللافتة الكبرى لعباد الرحمن إلى لافتة الجماعة الإسلامية، لكن هؤلاء الفتية قاموا بعمل مميز، نوافق على الكثير منه ونخالف أموراً رئيسية خاصة بالفترة الأخيرة.
المهم أن هذه التجربة تطرح فكرة العمل الإسلامي في القرن ال ٢٠ التي حتمت الظروف لتصادم مع الفكر القومي واليساري وكان تصادماً في بعض الأحيان أقوى مما تحتمله الأهداف وأعطى نتائج سلبية، وطرحنا في يوم ما أن الإسلام والحركة الإسلامية ستكون بديلاً عن أخطاء وممارسات الأخوة في الحركتين القومية واليسارية.
بعد مرور هذه العقود أرى أن أكثر أخطاء اليساريين والقوميين وقع فيها الإسلاميون، وأهمها تعدد الألقاب والأسماء والتشكيلات، بحيث آسف أن أقول أن الأمر يذكرنا ببيتي الشعر للمعتمد ابن عباد:
مما يزهدني في أرض أندلس
ألقاب معتضد فيها ومعتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
إن لم نكن صريحين، كثير من الآيات تحضنا على النقد الذاتي الذي أراه غائباً إلى حد كبير عن الحركات الإسلامية.

بعد ٧ تشرين ٢٠٢٣ ينبغي علينا أن نرتفع إلى مستوى المقاومة وإلى مستوى وحدة الساحات، لا ينبغي أن تكون هذه الألقاب وهذه الأسماء المتعددة التي بعضها لا يمثل أحداً، لا ينبغي أن يبقى الأمر على ما كان عليه.
العالم كله تغير كما رأينا في جامعات أوروبا وأميركا وشوارعهما المسيرات الضخمة والتقدير العالي لصمود الشعب الفلسطيني وإدانة جرائم العدو وبالمقابل لبطولة هذه المقاومة، هؤلاء أثرت عليهم هذه العملية التاريخية وفتحت لهم باباً في العقل كان مغلقاً، فلماذا لا نواكب هذا التغيير بشكل أو بآخر، لماذا لا نرتفع إلى هذا المستوى العظيم الذي قدمته المقاومة بأنفاق صمدت ٩ أشهر وستبقى، عجز الصهيوني عن كشف أسرارها وما تحتويه، وعجز عن ضرب المقاومة، وبدت إسرائيل فاشلة أمام بطولاتها.

وفي لبنان ما تقدمه المقاومة قد لا نستطيع تقديره تماماً إلا عندما يكون في رأس الصاروخ الذي يطلق كاميرا تصور الهدف، لكن أكثر الأحيان يحتكر الصهيوني الصور ويمنع التصوير، فلا نعلم إلا من بيانات المقاومة إلا ما تعمله وتصيبه في عقلهم ومعنوياتهم وأهدافهم. هناك ارتفاع كبير كبير.

أما اليمن، من يستطيع أن يعبر عن دولة أجرم في حقها، دمرت، حوصرت، شوهت، قسمت، ومع ذاك تقوم بهذا العمل العظيم، ونستمع لتهديد منهم للأميركي والصهيوني، بالفعل هذا الأمر ليس بسيطاً، وكذلك العراق وصمود سوريا بعد أن اجتمعت أكثر من ثمانين دولة في دعم الإرهاب لتشويه صورة الموقف في سوريا. هناك مستوى مرتفع للمقاومة، لوحدة ساحاتها وتأثيرها.

على العمل الإسلامي أن يرتفع إلى هذا المستوى، وكما كانت تجربة المرحوم الدكتور تتوافق مع التغيير الذي حصل، فهكذا نحن يجب أن نتوافق مع هذا التغيير.
اليوم نرى بعد كل الانحراف الكبير الذي حصل في جسد إخواننا في الجماعة الإسلامية، نراهم ينخرطون في المقاومة ويقدمون زهرة الشباب ويحاولون تعويض ما فات خلال السنوات الماضية. فهل نحاول نحن أن نصلح ما أفسدنا نحن بأنانيات لأهداف صغيرة على أهداف كبيرة للحرص على نفخ الأسماء لتقليد الأسد ولسنا أسوداً.
اعذروني إن كنتُ قاسياً، لكن إن لم نكن كذلك فلن نستطيع أن نستفيد من ذكرى الراحل الكبير.

الشيخ عبد المجيد عمار
لا يمكن في هذا الوقت المتاح لنا أن نتناول شخصية بمستوى فقيدنا الراحل الدكتور فتحي يكن، من هنا سأقف على مرحلة قصيرة في قياس الزمن وكبيرة على ما تضمنته من أحداث جسام، كانت انعطافة ونقطة تحول أراد منها البعض أن يأخذ الأمة لمصادرة ساحاتها وتحديداً الساحة السنية منها إلى خيارات لا تنسجم مع ثوابتها ولا تحاكي وجدانها أبداً.
هي مرحلة ابتدأت باغتيال الرئيس رفيق الحريري التي لا تزال تحوم حولها شبهات فيمن المستفيد من هذا الاغتيال، وما حصل لاحقاً يفسر كثيراً من الأمور الغامضة، فبدأت الساحات بالانقسام، وبدأت عملية الفرز، وهو مشروع أميركي قديم جديد في الرهان على الفتنة بين مكونات الأمة وتحديداً بين السنة والشيعة. لا يمكن للمصالح الأمريكية وعلى رأسها الكيان الغاصب أن تسود المنطقة إلا من خلال هذه الفتنة، وعملت من أجل ذلك طويلاً، ولا تزال حتى اللحظة تعمل، لأننا أمام استنهاض منقطع النظير للأمة، والأخذ بزمام يدها لتحديد ثوابتها وللاتجاه بتحرير مقدساتها.
هناك وقف الدكتور يكن وكان يسمي هذه المرحلة بمرحلة انعدام الوزن، هو شخصية عالمية وأممية التقط الفرصة وقليل من يلتقطها، ويشخص المصلحة ويحدد الوجهة بعد مراجعات كثيرة، انطلاقاً من ثوابته التي كان يعلنها وهي ثوابت الحركة الإسلامية منذ تأسيسها الأول على أيام الإمام حسن البنا وتباعاً كثوابت يمكن أن تحدد المسار مهما كانت الظروف ومهما كانت العقبات أو المحن. لا يمكن لهذه الثوابت أن تتغير بتغير هذه الظروف لأن هذه مبادئ وقيم وثوابت.
من هنا انطلق ولم يعر اهتمام لمرحلة انعدام الوزن الذي غرق بها كثيرون وانجرفوا بها إلى خيارات أخرى بإرادتهم أو غير إرادتهم لأن الظروف كانت قاهرة، ليحدد بوصلة هذه الثوابت أين يذهب فيها. هنالك إشكالية في شبهات وظروف وأخطاء تعترض الطريق، هو كان واضح في رؤاه وخطواته وبالمخاطر التي يمكن أن تحدق بثوابت هذا المشروع، البعض يسميه مشروع إسلامي، واليوم نحن نريد أن نسميه مشروعاً مقاوماً، وحتى لو أعطيناه صفة إسلامية فلا يعني التمايز عن بقية الأطر والنظريات القومية والعرقية لأننا نعتقد أن الإسلام جامع لكل هذه الأطياف.
في إشكالية اليوم بين الحركة الإسلامية وبين النظام القائم في سوريا حلل واقترح وبادر وكان صاحب مقولة لتقريب وجهات النظر لحل هذه الإشكاليات، لأن الخطر المحدق بنا كان في تلك المرحلة هو المشروع الأميركي الذي كان ينوي السيطرة على المنطقة ويعيد رسم خارطتها السياسية بما يسمى الشرق الأوسط الجديد، وبين هذا المشروع بالكامل في حرب تموز ٢٠٠٦ حين قالت كونداليزا رايز بعد أن جمعت كل أدواتها في عوكر وبشرتهم بالانتصار وأننا على أبواب مرحلة جديدة تسمى شرق أوسط جديد.
هذا المشروع القديم والجديد والذي حاول اللعين نتنياهو في بداية حرب طوفان الأقصى إحياءه عندما قال نحن أمام دعم دولي منقطع النظير، وهذا يضعنا أمام حتمية أننا ذاهبون إلى رسم خارطة هذه المنطقة من جديد.

هنالك وقف الدكتور يكن وقال: لا بد من حل هذه الإشكاليات وإزالة هذه الشبهات وتقريب وجهات النظر على كل الصعد انطلاقاً من الإشكاليات القائمة. من بين مواقع المقاومة خرج من كثير من التعقيدات التنظيمية ليخرج فيها المشروع الآخر وهو على مستوى تقريب وجهات النظر لتقديم الخطاب الإسلامي والمشروع الإسلامي على أنه ليس مشروع بديل أو إلغائي لأي حركة وطنية أو قومية، بل هو مشروع تكاملي، واذا كانت قد بنيت الحركات القومية بظروف حالت دون إكمالها مشروع التحرير واستنهاض الأمة، فإن الإسلام يطرح نفسه كمكمل في حركة تكاملية وبالتالي لا بد من تحرير كل الأمة.
من هنا انطلق لأن يخرج في مشروع مقاومته التي كان يحلم بها أن تكون مقاومة على مستوى الأمة لا تقف عند حدود جغرافية أبداً، ما نشهده اليوم على مستوى المقاومة كان حلمه أن تصبح المقاومة هي مشروع الأمة.
هذا بالنظر إلى هذه التحديات التي كان يراها ويواجهها في هذا المشروع. المهم في شخصيته التقاطه لهذه الفرصه وتحديده لهذه الإشكاليات وعزمه الصارم ولم يخف في الله لومة لائم لا من قريب ولا من بعيد في أن يخطو الخطوة الأولى.
هنا نتذكر راحلنا الكبير لنجدد العهد على أننا مستمرون في هذه الخطى وهذا المشروع… وما النصر إلا من عند الله.

القيادي أسامة حمدان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
لا شك أن الحديث عن قامة كبيرة كالدكتور فتحي يكن ليس أمراً سهلاً، خاصة أني شخص تتلمذ في بداية صباه على ما كتب الداعية الكبير وخاصة كتابه ماذا يعني انتمائي للإسلام، وهو أول كتاب قرأته في حياتي، وما سطره الدكتور يكن في كتبه تقرأ فيه النضج الإسلامي، ليست فكرة إسلامية تقصي أحداً أو تدخل في تكفير أو إلغاء أحد، وإنما عندما تحمل فكرة الإسلام فإنك تحمل الرحمة لأمة بأكلمها حتى الذين يختلفون معك.
تميز الراحل بالكثير من المميزات وإلا لما كان قامة بهذا الحجم، ولعل من بينها جرأته وشجاعته وليس في ميدان القتال فقط، بل بكلمة حق تقال في وقتها، في وقت ربما لا يرى كل الناس هذا الحق، لا شك هذه كانت شجاعة مميزة تحلى بها الأخ ابو بلال رحمه الله. ولعل ذلك كان واضحاً في محطات كثيرة في حياته في مطلع الثمانينات خالف إخوته في الحركة الإسلامية في سوريا رافضاً للفتنة التي حصلت آنذاك، ومحطات كثيرة قالها من سبقني في الحديث، ولولا هذه الشجاعة لما قالها ولربما صمت، قد لا يسير مع التيار ويؤثر الصمت، لكنه تحدث بها بصراحة وكان من جرأته وشجاعته في قول هذا الحق أثر كبير في تصويب هذا المسار.
ومن شجاعته أنه التزم الهدف والمبدأ دون الشكل والإطار، فمن عضو في عباد الرحمن إلى أمين عام للجماعة الاسلامية وإلى داعية عالمي ثم جبهة العمل الإسلامي، وفي كل محطة كان رائده ليس الإطار ولا الشكل أو الوسيلة، وإنما كان رائده الفكرة والمبدأ والهدف والغاية التي حملها منذ أن استوعب ووعى هذا الدين الذي عمل له، كثير من الناس تقيمه الأشكال وتقيده بعض الأطر فيعجز عن القيام بما آمن به واقتنع به ولا يملك الشجاعة أن يغادر ذلك.
لا شك أيضاً أن من مميزاته رحمه الله إيمانه بوحدة هذه الأمة إيمان عملي، كان يرى كل بادرة خير في هذه الأمة ينبغي أن تدعم وأن نقف في جانبها، وحدة الأمة عنده لم تكن مجرد شعار يرفع، وإنما كانت قضية يعيشها في كل لحظة ويعمل من أجلها، ويحارب من أجلها. ولعل النموذج الذي يردده الكثيرون ويعرفه هو صلاة الجمعة المشهودة التي صلى فيها الجميع صفاً واحداً، لكن النماذج في حياته بإيمانه بوحدة الأمة كثيرة.
وأيضاً واقعيته، فهمه الصحيح والدقيق للواقع وعمل دؤوب وفق أدوات الواقع وليس من خلال أوهام، ليصل إلى النتيجة، لهذا رأينا كثيراً من ثمرات جهده وعمله، وكان يعالج ما يرى من مشاكل ليس في إطارها الضيق، وإنما في إطار عام يسجله ويدونه ويتركه كتباً ومؤلفات ينتفع بها من يأتي من بعده فزادت مؤلفاته على ٣٥ مؤلفاً.
أما قضية فلسطين، لقد كان له فيها شأن كبير، وكان له الاحترام والتقدير في حركة حماس، وكان من الذين له سهم في دفع هذا المشروع منذ انطلاقته الأولى، وهذه كانت نقطة تحول في الحركة الإسلامية في فلسطين ونقلة كبيرة من كونها حركة تدعو للإسلام وتعمل لأجله إلى حركة مقاومة.

كان حريصاً رحمه الله في كل محطة من المحطات أن يأتي ليعطي رأيه ونصحه وبعد النصيحة يخرج ورقة من بعض ما كتبه ليكون وثيقة حتى لا يضيع الكلام. في محطات كثيرة كان مبادراً بتقديم أفكار تدفع الحركة للأمام، وكان يعيش هم المقاومة في فلسطين لحظة بلحظة، كان يعتبر أن هذه القضية هي عنوان للصراع ضد الطغيان في هذا العالم وإحياء للإسلام والجهاد في سبيل الله.
هكذا كان يرى فلسطين ويرى أن الأمة هي التي ستحرر فلسطين من أسرها، هذه القضية شغلت فكره في كل لحظة. وأذكر أنه قال مرة: سنمر بظروف قاسية في فلسطين لكن الثبات هو الذي سيؤدي إلى تحقيق النتائج، وقال في هذا كلاماً كثيراً.
آخر ما يمكن أن أقوله أن الإنسان في مسيرته في هذه الدنيا إذا صدق مع الله تعالى وبذل وقته فيما يخدم قضيته، فإنه بلا شك سيكون علماً ورمزاً، وهكذا كان الداعية فتحي يكن نسأل الله ان يتقبله في الصالحين ويعيننا حتى نكمل ما بدأ به ونحقق أهدافه.

الشيخ حسن المصري
قالوا نظمت الشعر قلت لهم لمن
قالوا لمن هو خير من جاب المدن
قلت العمامة لم تكن هماً له
بل كان في يوم السرى الفذ الفطن
هل فكره النبوي مسلك أمة
هل علمه من نبع ذاك المؤتمن
هل اسمه من فتح مكة يا ترى
مشتقة أخلاقه من ذا الوطن
وشمس لبنان يدعونه بين الورى فتحي يكن

إذا مات العالم ثلم من جدار الإسلام ثلمة لا يسدها إلا عالم مثله، والمرحوم كان من خيرة علمائنا الذين باعوا جماجمهم لله تعالى، مصداقاً لقول علي عليه السلام عندما قال لابنه محمد بن الحنفية: تد في الأرض قدمك، أعر لله جمجمتك، ارم في بصرك أقصى القوم، واعلم أن النصر من عند الله.

وتصادف ذكراه السنوية مع ذكرى شهداء أفواج المقاومة اللبنانية أمل في عين البنية، ليكون إمام جماعتهم في رحلة الصلاة إلى الله تعالى لنؤكد له ولهم أننا على الدرب باقون وللمسيرة متابعون وبركبهم حتى يأذن الله لنا بالنصر المبين.
وعليه فإن حركة أمل تود أن تعلن للدكتور فتحي يكن ولشهدائها الأبرار: أن تزامن هذه المناسبات مع ذكرى الإمام الحسين عليه السلام ليس من باب الصدفة، إنما هو تلاقي طبيعي وتاريخي للحركة وللمؤمنين في قدسية الرسالة في الأداء والسلوك، وتزامناً مع الهجرة النبوية المباركة التي أعلن بعدها ولادة دولة الإسلام بقيادة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله، إذاً نحن محمديون دائماً وحسينيون سنبقى، لا نعطي إعطاء الذليل ولا نفر فرار العبيد.

مع كل يوم يستمر فيه العدو الإسرائيلي بجرائمه على غزة وعلى لبنان وعلى كل المستويات، فإننا مستمرون في الدفاع عن شعبنا اللبناني وعن أهلنا في فلسطين، كما أننا معنييون بتأمين كل وسائل الدعم والصمود للمقاومة في فلسطين ولمواجهة العدو انطلاقاً من حماية الجنوب وكبح جماح العدو وغطرسته. والعمل دون هوادة من أجل حفظ لبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه، عزيزاً قوياً موحداً، ومقاومة أي محاولة للتقسيم أو الفدرلة تحت أي عنوان من العناوين وبكل الوسائل المتاحة.
تجدد الحركة تمسكها بالحوار الوطني والتلاقي نهجاً وسلوكاً وخاصة في الأزمة الراهنة المتصلة بانتخاب رئيس للجمهورية، وهي في هذا الإطار منفتحة على كل شرائح المجتمع اللبناني ويدها ممدودة باتجاه كل مسعى يفضي لإنجاز هذا الاستحقاق وفقاً لقواعد الدستور وتحت قبة البرلمان اللبناني.
وستبقى فلسطين قبلة الشرفاء ومحط أنظار العالم باتجاه الحق المطلق التي تعتدي عليه إسرائيل كل يوم.
بالنسبة إلينا ستبقى فلسطين مثل فراش النبي وكل واحد فينا علي سيبيت فيه حتى تنتصر باذن الله.

الشيخ غازي حنينة
الشيخ فتحي رحمة الله عليه او كما كنا نناديه أبو بلال، المعرفة به والعلاقة معه تتجاوز ال ٥٠ عاماً، كان من صفاته الصبر وكف اللسان والصراحة والوضوح، ومن صفاته أنه اذا استبصر أمراً واستوثق منه التزم به ودافع عنه وعمل من أجله، وهذا الذي دفعه من عمره في العمل الإسلامي في كل إطار يتواجد فيه، كان يقف بكلتا رجليه.
مما أذكره بعد أن تم توقيفه في سوريا في أواخر السبعينات يقول أنه بعد أن أخرج من التوقيف والتقى بعدد من الضباط السوريين الذين كانوا يتناولون الطعام وهو يحدثهم عن الإسلام، ثم بعد ذلك التقى بالرئيس حافظ الاسد رحمه الله وكانت رحلة للعلاقة الأخوية السورية، وهذا كان خلاف الذي كان عليه الإخوان المسلمون، فكان له دور سياسي بإعادة ترتيب العلاقة بين الإخوان والرئيس الأسد.
ولذلك كان موقفه من سوريا موقف واضح وصريح، وهنا استذكر بعد حرب تموز وبعد تشكيل جبهة العمل الإسلامي كانت طريق دمشق مقفرة سياسياً، لكن الشيخ فتحي الصادق في موقفه انطلق إلى سوريا والتقى بالدكتور بشار الأسد بصحبة إخوانه قيادة جبهة العمل الإسلامي، وأذكر يومها أنه قال للرئيس الأسد نحن جئنا إليك في وضوح الشمس وسمح للإعلام أن يصور اللقاء.
عندما اقتنع الشيخ فتحي وتبلورت إليه الصورة الصحيحة عن الجمهورية الإسلامية وبشخص مفجرها الإمام الخميني رحمة الله عليه، كان موقفه واضحاً وصريحاً، وأذكر كلمته بعد حرب تموز عندما قال: إن اول انتصار تحققه الأمة منذ معادلة سايكس بيكو هو انتصار حرب تموز. وهذا يؤكد أن الشيخ كان صريحاً وواضحاً وثابتاً فيما يقوله.
وأنا بكثير من العتب أقول: إن كنت تختلف مع الشيخ فتحي يكن فلك أن تختلف معه وليس لك أن تغادر لقاء يضم مجموعة من الناس يتحدثون عنه وهم رفقاء وأصحاب عمر للشيخ فتحي يكن. إن كنتم تختلفون معه وأنا كنت مواكب وأرى نقاط الاختلاف هذه بعد أن أصبح عضواً في المجلس النيابي وكنت في المكتب السياسي يومها للجماعة الإسلامية فخلاف الرأي لا يفسد في الود قضية.

الدكتور سالم يكن
في الليلة المبدرة تتألق بدراً يا أبت
فليالينا لم تعد سوداء حالكة من ديجور العتمة والظلام، فها هي أرواح الشهداء تتصعد إلى السماء أقماراً من بيت المقدس وأكنافه، من غزة الأبية إلى جنوبنا الشامخ حتى استحال الليل فجراً.
أما لماذا تتألق بدراً بعد رحيلك؟ فلأن ما استودعتنا من فكر واستشراف جعلك عصياً على الغياب.

ألست من قال أن وظيفة إسرائيل في منطقتنا تفتيتها وبث كل أسباب التفرقة بين أبنائها وشعوبها؟

ألست من حذر من الانجرار إلى التفاوض معها، لأن السلام ينزع عنها طبيعتها العدوانية الإجرامية، لذلك لن يكون التفاوض معها إلا كمن يعطي فرصة للأفعى أن تبدل ثوبها.
ألست من حدد أن السبيل لاستراد الحق الإسلامي في فلسطين يكون فقط بالمقاومة.

إن الاحتفال بذكرى كبار رحلوا يأخذ بعداً إضافياً حيوياً يعيد أفكارهم إلى نطاق الحوار والنقاش حين تتحقق استشرافاتهم. والذي جعلني أقف بينكم اليوم معتزاً كما كنت دائماً وأبداً بمن به نحتفي أنني قرأت في أحداث السابع من تشرين واحداً من رهاناته كحدث وتداعيات. فالسابع من تشرين لم يكن تاريخاً لعملية عسكرية، بل بداية تحول تاريخي، وعلى أكثر من صعيد صنعه فكر علماء مؤمنين ومؤتمنين على نهج المقاومة، وأبطال كتبوا هذا الفكر بأحرف من أزكى الدماء، وطرزته أمهاتهم بأطهر دمع يسكب منه الفجر وضوءاً للصلاة.

نعم إنه بداية التحول التاريخي، وكيف لا يكون ذلك وقد أصاب مشروع إدراج هذا الكيان الغاصب ضمن إطار الدول التي تقام وتقيم معها دول المنطقة علاقات طبيعية فيما اتفق على تسميته التطبيع.

ها هو طوفان الأقصى يلبس الثعبان ثوبه الحقيقي ويعيد له صفته كمجرم مدان بأكبر عملية إبادة جماعية عرفها التاريخ الحديث.
وكيف لا يكون تاريخياً وقد استكمل ما بدأته المقاومة في لبنان ومستمرة فيه حين خلع عنه وعن جيشه ثوب الرهبة والتفوق والجبروت حتى باتوا في كل ساح يخسرون ويجرون أذيال الخيبة.

فلقد أثبت طوفان الأقصى بما أحدثه من زلزال في ٧ تشرين، كما أثبتت ساحات الإسناد في جنوب لبنان واليمن والعراق أن هذه المقاومة تملك من القدرات العسكرية والتكنولوجية مما جعلها مؤهلة لا بل قادرة على إلحاق هزيمة سيكون لها تداعيات وجودية على هذا الكيان لدرجة أن مؤرخيهم باتوا ينصحون المستوى السياسي ضرورة تجنب تجرع كأس الإقدام على أي مغامرة مع لبنان خشية أن تواجههم هذه الأسئلة الوجودية بقوة حضورها بفعل نتائج الميدان. لا بل إن البعض منهم نصح بضرورة وقف العمليات في غزة فقط من أجل وقف العمليات في جنوب لبنان.
ان من استشرافات المحتفى به إيمانه أن فلسطين هي مفاتح وحدة المسلمين، وبقيت وإخوانك متمسكين بهذا الاستشراف بقوة وأمناء عليه ولقد أصدقه الله تقديره.
وقفت في وسط بيروت إماماً تذود عن المسلمين كأس الفتنة المذهبية وقالوا فيك يومها ما قالوا، لم تأبه لخبث قولهم وقلت حسبنا الله ونعم الوكيل، ذهب قولهم وفتنتهم أدراج البهتان وبقي قولك “ليت قومي يعلمون” نافعاً للناس والوطن وها هي الوحدة الإسلامية تعمّد بدماء أشرف الناس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى