عمر عبد القادر غندور/عضو قيادة جبهة العمل الاسلامي في لبنان
تمكنت اوروبا او بعض دولها من استدراك، ولو لبعض الوقت، من برودة طقس الشتاء و تحول البرودة الى صقيع قاتل، في ضوء استمرار دعم الغرب لاوكرانيا في حربها مع الروس،فملأت خزاناتها من الغاز، وخفّضت من استهلاكها للغاز الروسي من ٤٠ الى ١٠% ولكن باسعار قاسية وتداعيات اخرى ستظهر لاحقا، لكن المرحلة الاصعب لم تبدأ بعد.
ومع دخول موسم الشتاء فعليا من المتوقع ان تنخفض درجات الحرارة اكثر من المعتاد، بحسب مواقع الارصاد الجوية، ما سيرفع الطلب اكثر على غاز التدفئة وبالتالي تحليق الاسعار.
ولا شك ان دول الاتحاد الاوروبي نجحت بنسبة ١٠٠% من تعبئة خزاناتها من الغاز مستفيدة في الخريف المعتدل واستمرار تدفقات الغاز المسال من الولايات المتحدة وقطر ونيجيريا، والغاز الطبيعي عبر الانابيب من النروج والجزائر واذربيجان وبدرجة اقل من ليبيا…
ولان ارتفاع اسعار الغاز بشكل مضاعف ثلاث مرات، دفع الناس للخروج للشارع والتظاهر في مشاهد نادرة، ما جعل من العديد من الدول تفتش عن بدائل للطاقة النظيفة وحتى الملوثة للبيئة مثل الفحم واخطرها الطاقة النووية، واستهلكت دول الاتحاد الاوروبي غازا اقل بنسبة ١٠% حتى شهر تشرين الاول الماضي.
وتهدد شركة غازيروم الروسية بخفض امدادات الغاز نحو مولدوفا بعدما تأكدت من بقاء بعض الغاز الطبيعي الذي تم ارساله الى مولدوفا في اوكرانيا، وهذا ما اثار الذعر في اوروبا من امكانية قطع روسيا امدادات الغاز نحوها عبر شركة الانابيب التي تمر عبر اوكرانيا، واذا كانت خزانات الغاز المسال الى اوروبا ممتلئة الان فان احتياطاتها بدأت تتراجع وسعتها لا تكفي الا لشهرين بحسب قدرة كل بلد اوروبي وازمة صيانة محطات الطاقة النووية في فرنسا لم تستكمل بعد.
واذا تزامن الشتاء البارد في اوروبا مع شتاء قاس في اسيا فان ذلك سيخلق منافسة وقرصنة على شحنات الغاز المشعل بين اكبر منطقتين لاستهلاك الغاز ما سيرفع الاسعار الى مستويات فلكية قياسية، خاصة اذا انتعش الاقتصاد الصيني وعادت عجلته للدوران مجددا ، خصوصا وان الدول الاوروبية لن تصلها قطرة غاز واحدة بعد عام من روسيا.
وربما تراهن روسيا على ان التعبئة والطقس سيؤديان الى استقرار الخطوط الامامية، ولن يكون القتال سهلا في موسم الثلوج وسيكون من الصعب صيانة الاسلحة والاليات، وستؤذي الثلوج الالغام ما يصبح اكتشافها اكثر صعوبة.
واعلن الرئيس الاوكراني فلادمير زيلنسكي ان ستة ملايين اسرة في بلاده تعاني حاليا انقطاع مصادر الطاقة بعد الغارات الروسية الاخيرة.
وفي ظل انعدام وجود الغاز في اوكرانيا وتناقصه في القارة العجوز، وان وجد باسعار عالية ، الى متى تستطيع اوروبا ان تدفع ثمن هذه الحرب من امنها واستقرارها التسليحي والمالي حاليا ؟
ومن يسكت الان، فلن يبقى صامتا بالغد، فيما تستمر الغطرسة الاميركية وشهوة السيطرة الاميركية فتقول ان افضل شيء يمكن ان نفعله للسلام هو زيادة الدعم العسكري الاقتصادي لاوكرانيا، وهي شهادة للعدوان والاستئثار، رغم اعتراف الغرب ان اوكرانيا وروسيا هما من اكبر خمس دول مصدرة للحبوب في العالم، ما يجعل الامن الغذائي العالمي على المحك، حيث تبلغ قيمة التجارة الزراعية العالمية مع هذين البلدين حوالي ١.٨ تريليون دولار، ووفقا لتقارير اممية، بدات الاثار المباشرة للنزاع على الغذاء تظهر في مصر وتركيا وتونس واليمن وليبيا وباكستان والكثير من الدول الافريقية تشتري اكثر من ٦٠% من احتياجاتها من القمح من روسيا واوكرانيا.
ونظرا للعقوبات المفروضة على روسيا المرشحة للاتساع لتتجاوز الافراد والمؤسسات، بات مقلقا ان يدفع الناس الاكثر ضعفا اثمان الحرب، وقد يكون الجوع والمجاعة وسوء التغذية هي غالبا ما تكون نتيجة للفشل السياسي.
ولا ندري لماذا خصصت “التلغراف” البريطانية مساحة للتحدث عن اثار الحرب الروسية الاوكرانية على لبنان فقالت: ان لبنان يمر بأسوأ الازمات الاقتصادية منذ منتصف القرن التاسع عشر ويقول منتجو الخبز المحليون ان اي زيادة في اسعار القمح سيكون كارثيا!!
فهل تكون هذه الالتفافة الى لبنان من بين عشرات الدول، للتذكير بحصار لبنان الذي جعل الحياة فيه جحيما !!
رئيس اللقاء الاسلامي الوحدوي
بيروت في في ٢٠٢٢/١٢/١٩