Responsive Image
اخبار لبنان

الجمهورية: الدولار يُشعل الأسعار ويهدد الدواء.. الرئاسة خلف المتاريس.. وتحذير أميركي

 كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: لا يخطىء المواطن اللبناني إن قاربَ الأزمة الرئاسية الراهنة، بوصفها مستنقعاً ملوثاً تجمعت فيه كائنات مفترسة تريد أن تأكل بعضها البعض، ووحول حاقدة وسياسات آسنة وكمّ هائل من الموبقات. والسؤال الكبير الذي يفرض نفسه أمام هذه الصورة: كيف يمكن اصطياد رئيس للجمهورية من هذا المستنقع؟

المشهد الرئاسي بات شديد الوضوح، وكل الاطراف خلف متاريسها، وأخطر ما في هذا المشهد هو انّ لكل شيء بيئة حاضنة لدى مكونات الانقسام الداخلي؛ فللحقد بيئة حاضنة، وللتوتير بيئة حاضنة، وللمكائد بيئة حاضنة، وللفتنة والافتراق بيئة حاضنة، ولإرادة القهر والالغاء بيئة حاضنة، وللحسابات السياسية والحزبية والشخصضية بيئة حاضنة، وللرهانات والارتهانات بيئة حاضنة، وللمنطق الطائفي والمذهبي والمناطقي بيئة حاضنة… وحده هذا البلد وشعبه، وسلامه وأمانه ورخاؤه واستقراره واستمراره ومصيره، بلا بيئة حاضنة، وثَبت للقاصي والداني انّ بكائيات مكونات الانقسام عليه ومطوّلاتها الشعرية والانشائية التي تنظمها عليه، لا تعدو اكثر من احتضانٍ كاذب ومُخادع لهذا البلد، ولعبة عبث عقيم بحاضره ومستقبله، قطعت الامل بالكامل في إمكان تلمّس نافذة فرج داخلية، تفتح الافق السياسي المسدود على تفاهمات وانفراجات تنهي الفراغ في رئاسة الجمهورية.

واذا كان عيدا الميلاد ورأس السنة يشكلان عطلة سنوية طبيعية، الا انهما يتزامنان مع فترة هي الاكثر حساسية وخطورة على لبنان، يتفق الذين ما زالوا يَتحلّون بحرص صادق على البلد في الداخل، كما الأشقاء والاصدقاء، على ان الوقت يلعب في غير مصلحة لبنان، وكلّ دقيقة تُهدر منه تضيع من عمره وتعمّق ازمته أكثر، ما يوجب مقاربات استثنائية ومسؤولة، وصناعة الفرص حتى ضمن هذه العطلة، لتوجيه البوصلة الداخلية نحو الإنفراج.

صورة قاتمة

القراءات السياسية للملف الرئاسي، وربطاً بمواقف مكونات الانقسام الداخلي، أكثر من تشاؤمية، وعلى حدّ ما قاله مرجع مسؤول لـ«الجمهورية» فإنّ «الوضع نزول لتحت، ويمكن لتحت التحت، والله ينجينا من الأعظم».

وردا على سؤال عما اذا كانت ثمة مشاورات جارية حول الملف الرئاسي، قال المرجع: كما ترى، ما حدا عم يحكي مع حدا، وما حدا بدو يحكي مع حدا، كنا نعوّل على لحظة توافق مَدخلها الحوار المسؤول بين المكونات السياسية، قلنا لهم إن جلسنا وتحاورنا بمسؤولية وبصفاء نية قد نتوافق في ساعة، ولكنّهم رفضوا هذا المنحى وهم مدركون انّه سيُدفّع البلد اثماناً باهظة، وأولى هذه الاثمان اللعبة الخبيثة بالدولار وبلقمة الناس.

وتابع المرجع قائلاً: «عمق الازمة التي نمر بها، وما قد ينشأ عنها من تداعيات وارتدادات سلبية على البلد والناس، انتظرنا راهناً على انه قد يشكّل فائضاً في المسؤولية لدى الاطراف، خصوصا اولئك المعنيون مباشرة برئاسة الجمهورية، ولكن مع الأسف، تبدّى امامنا فائضاً من النكايات والعنتريات الفارغة من قبل بعض المصرّين على البقاء خلف متاريس الاشتباك».

ولدى سؤاله اذا كان الحوار ما يزال ممكناً؟ اجاب: الحوار هو السبيل الوحيد، ولا مخرج من هذه الازمة من دون هذا الحوار، ولكنهم لا يريدونه. هناك استسلام اكيد لمنطق التعطيل، وهذا الامر سيسحب حتماً الاهتراء الراهن الى مسافات زمنية ابعد من السنة الجديدة.

وعن السبب الحقيقي لرفض الحوار، قال المرجع: ثمة اطراف تريد الاستيلاء على رئاسة الجمهورية، وتعتبرها حقاً حصرياً لها، وترفض ان تصدّق انها غير قادرة على ذلك، ولذلك تعطّل، وهذه مغامرة بالرئاسة وموقعها. وثمة بعض آخر يعتقد أنه بتصعيده وهروبه من الحوار يدفع الى تدخّل خارجي يفرض حلاً في الداخل. وهذه ايضا مغامرة وتضييع للوقت بِرهانٍ على وهم. فعلى حد ما نعلم، لا الخارج في وارد أي مبادرة إكراهية لأنه يعلم انها ستفجّر البلد، كما انه ليس في وارد اي مبادرة من نوع آخر تهدف الى التوافق على مرشح، قالوا لنا: انتخبوا رئيسكم كي لا يخرب بلدكم اكثر.

بين الثنائي والثنائي

الى ذلك، اكدت مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» انّ العقدة الاساس المعطّلة للملف الرئاسي كامِنة ما بين «الثنائي الماروني» المتمثّل بـ«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، اولاً، وثانياً بين هذا الثنائي و«الثنائي الشيعي»، حول المرشّحين الاساسيين لرئاسة الجمهورية. فثنائي حركة «أمل» و«حزب الله» متمسّكان بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، و«القوات» حسمت خيارها لناحية رفض ترشيح فرنجية وتزكية ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون، اما التيار الوطني الحر فقد حسم رئيسه النائب جبران باسيل خياره بالسعي الى قطع الطريق على فرنجية وقائد الجيش.

وفي رأي المصادر انّ العقدة بين هذه الاطراف شديدة الاستعصاء، وثمة استحالة في إمكان فَكفكتها وبلوغ قاسم مشترك بينها، وهذا يؤشر الى ازمة طويلة الأمد. فالحل ممكن في 4 حالات:

الاولى، أن يتراجع الثنائي الشيعي عن ترشيح فرنجية ويترك للتيار والقوات تقرير مصير الاستحقاق الرئاسي ووجهته، وهذا الحل غير واقعي.

الثانية، أن يتراجع «التيار الوطني الحر» وينسجم مع موقف «أمل» و«حزب الله» بتزكية ترشيح الوزير فرنجية، وهذا ايضا حل غير واقعي ولا يبدو وارداً حتى الآن.

يُشار هنا الى انّ البيان الذي اصدرته الهيئة السياسية في التيار الوطني الحر بعد اجتماعها الدوري برئاسة باسيل، لفتت فيه الى «استمرار مسلسل استهداف التيار على أكثر من مستوى»، واستغربت «كيف أن الكلام حول رئاسة الجمهورية لا يزال محصورًا بطرح الأسماء ويغفل تمامًا المشروع الذي على أساسه يجب أن يتقرّر اختيار اسم الرئيس. ومع التأكيد على أولوية إجراء الانتخابات الرئاسية فإن الرئاسة كلٌّ لا يتجزّأ، فلا يمكن فصل الرئيس عن مشروعه وعن رئيس الحكومة والوزراء الذين سيشاركون معه في الحكم، وهذا ما عبّرت عنه ورقة الأولويات الرئاسية التي أصدرها التيار لتحديد الموقف من المرشحين بمقتضى درجة تجاوبهم وتناغمهم مع هذه الأولويات، فضلًا عن أنّ هذه الورقة تسمح بفتح حوار مع الخارج لتأمين إطار داعم للبنان يجعل الاستحقاق الرئاسي مناسبة لاحتضان دولي لمشروع بناء الدولة. وعليه، تعتبر الهيئة السياسية أن عهد الرئيس سيكون أقدر وأفعل إذا اقترن بمشروع واضح ومدعّم داخليًّا وخارجيًّا، إذ انّ شخص الرئيس لا يعوّض فراغ المشروع.

الثالثة، أن تتراجع «القوات اللبنانية» وتسلّم بترشيح فرنجية، وهذا ايضا حل غير واقعي يطيح بمسلّمات «القوات»، على اعتبار انّ فرنجية في نظرها هو جزء من الخط الآخر الذي يُناقض توجهات القوات ومبادئها. يُشار في هذا السياق الى ما أعلنه رئيس حزب القوات سمير جعجع امس، حيث حمّل محور الممانعة مسؤولية التدهور، وقال في بيان: «المطلوب منّا كلبنانيين، خصوصا الذين اقترعوا مرة من جديد لصالح أطراف محور الممانعة، الضغط بكل قوانا على أطراف هذا المحور لوَقف تعطيل الانتخابات الرئاسية والذهاب في أسرع وقت ممكن لانتخاب رئيس جديد، فعلاً جديد، للجمهورية اللبنانية، تبدأ معه مسيرة الانقاذ الفعلي للبلد، ماذا وإلا سنشهد مزيداً من التدهور والبطالة والفقر والعوز، وذلك في ذمة أطراف محور الممانعة.. إذا بقيت لهم ذمة».

الرابعة، ان يسلّم الجميع بترشيح قائد الجيش، وهذا من باب المستحيل، فما خلا «القوات»، لا يحظى ترشيحه بمقبولية لدى حركة «أمل» و»حزب الله» لالتزامهما النهائي بفرنجية، وكذلك لدى التيار لأسباب مرتبطة بباسيل تحديداً، الذي بلغَ به الامر مؤخراً الى حد اتهام قائد الجيش بالشراكة في الانقلاب. فضلاً عن انّ هذه الاطراف ترى ان هناك مانعا قانونيا ودستوريا امام ترشيح قائد الجيش، يتجلى بتعديل الدستور، وهذا التعديل يتطلب ثلث اعضاء المجلس النيابي، وبالتالي هو مستحيل في ظل الخريطة النيابية القائمة. حيث انه اذا كانت ثمة اكثرية نيابية تؤيد تعديل الدستور لمصلحة قائد الجيش فإنها لا ترقى الى الـ86 نائبا، حيث ان معارضي هذا التعديل يفوق عددهم الثلث المعطل (43 نائبا) لتعديل الدستور بكثير.

وتنتهي المصادر الى القول: الصورة معقدة، وطالما انّ منافذ الحل الداخلية مقفلة، وطالما انّ الخارج حسم قراره بعدم وجود مبادرات توجِّه المسار الداخلي الى التوافق على رئيس، فإنّ الوقت وحده كفيل بأن يرسم ما ستؤول اليه الحال في نهاية المطاف. ولأنّ الارض اللبنانية متحركة، ومعها مواقف القوى المتصارعة، فإنّ ما قد يشهده الواقع اللبناني من وقائع وتطورات، قد تحدث انقلاباً في الصورة، ينزل كل الاطراف عن اشجار الشروط والعنتريات ويجعلها محكومة بالبحث عن مخرج.

مقاربات قلقة

الى ذلك، كشفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» عن مقاربات غربية يعتريها قلق بالغ حيال مستقبل الوضع في لبنان في ظل الافق الرئاسي المسدود، وعدم تمكّن الاطراف اللبنانيين من اختيار رئيس للجمهورية.

وجزمت المصادر بأنّ المجتمع الدولي يُقارب الملف الرئاسي في لبنان من كونه مسؤولية اللبنانيين من دون غيرهم، وبالتالي لا ينبغي توقّع انطلاق اي مبادرات، وبمعنى ادق لا ينبغي الرهان على شيء غير موجود، بل أن يقوم اللبنانيون بما تُمليه عليه أزمة بلدهم من واجب اكيد على معالجتها وانتخاب رئيس للجمهورية قبل فوات الاوان».

ما اوردته المصادر الديبلوماسية، اكدت عليه مساعدة وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى باربارا ليف، لوزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بوحبيب خلال استقبالها له في مقر وزارة الخارجية الاميركية في واشنطن، حيث شدّدت على ضرورة تَحمّل أصحاب القرار في لبنان مسؤولياتهم الوطنية والمضي قدماً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية كخطوة أساسية للبدء بمعالجة الأزمات المتراكمة.

وقالت: إنّ ما يواجهه لبنان هو مختلف واشد خطورة من ازماته السابقة، وحتى أشد تعقيداً من الازمات الاقليمية في المنطقة التي تتولى متابعتها بحُكم نطاق عملها.

إهتراء… ولا دواء

داخلياً، الصورة في منتهى الاهتراء، فمافيا الدولار دأبت على جريمة التلاعب حيث قفز الدولار الى ما فوق الـ46 الف ليرة، وهو الامر الذي احدثَ بلبلة في الاسواق وارتفاعا جنونيا في اسعار المواد الحياتية والاستهلاكية، فيما كان وفد البنك الدولي الذي يزور لبنان حالياً يقدم قراءة مأساوية لما آل اليه الوضع في لبنان، محذّرا من مصاعب ومخاطر مالية كارثية اذا ما استمر التأخير في المعالجات الضرورية للازمة الاقتصادية، مؤكدا انّ مسار الانقاذ انطلاقه رهن بإعادة انتظام المؤسسات في لبنان، وفي مقدمها انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تَشرع فوراً في تنفيذ خطة تَعاف صحيحة ومتينة، وبناء الركائز الموضوعية للتفاهمات والاتفاقات مع المؤسسات المالية الدولية، وعلى وجه الخصوص مع صندوق النقد الدولي».

ولفت في هذا السياق، هجوم نائب رئيس حكومة تصريف الاعمال سعادة الشامي على من سمّاهم «طبقة الاقتصاديين الجدد»، حيث قال: الجميع ‏يدرك أن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي هو ممر إلزامي للإصلاح حتى يعود لبنان إلى ‏الأسواق العالمية وتأتي المساعدات التي نحن في أشد الحاجة إليها من الدول والمنظمات الدولية ‏الأخرى التي تُجمع كلها على ضرورة الاتفاق مع الصندوق، وإلا فإنّ فلساً واحداً لن يأتي إلى ‏لبنان. فالقول إننا لسنا بحاجة إلى الصندوق ينمّ عن جهل مُتعمّد للواقع وللظروف التي نعيشها، ‏فالاتفاق مع الصندوق ليس محبة به بل محبة بلبنان». وأضاف: «الوضع صعب وصعب جدًا ‏ويحتاج إلى مواجهة الواقع بشجاعة واتّباع سياسات وتدابير قد تكون صعبة ومؤلمة للخروج من ‏هذه الأزمة غير المسبوقة في التاريخ المعاصر. فهل يعقل أن توجَد حلول بهذه البساطة التي يدّعيها ‏البعض ويقرر الذين أعدوا برنامج الإصلاح اللجوء إلى حلول صعبة وتدابير قاسية»؟

الدواء مهدد

وفي موازاة الفلتان في ارتفاع الدولار وجنون الاسعار، أطلقت نقابة الصيادلة صرخة تحذير من فقدان الدواء، حيث وجّه نقيب الصيادلة جو سلوم نداء الى المعنيين، لفت فيه الى انّ «الارتفاع المضطرد والسريع للدولار، أدى الى ‏تَوقّف شبه كامل عن تسليم الأدوية والحليب الى الصيدليات، وبالتالي فقدانها تدريجاً، ناهيك عن ‏انعكاساته السلبية على الواقع الصحي والافلاسات التي تنتظر كل قطاعات الدواء وفي مقدمتها ‏الصيدليات، وبالتالي الاقفال».

وقال: «لا أحد يختلف أن المواطنين عاجزون عن تحمّل المزيد من ‏الأعباء وارتفاع الأسعار، وكذلك الصيدليات وشركات الأدوية والمصانع الدوائية عاجزة عن ‏الاستمرار، في حين انّ وزارة الصحة تقوم بأكثر من واجبها في هذه الظروف الصعبة وضيق ‏الموارد والخيارات، ونقابة صيادلة لبنان لا تألو جهداً في مكافحة كل أشكال المخالفات والتهريب ‏والتلاعب بصحة المواطن. من هنا أتوجّه الى السياسيين في الداخل والمجتمع الدولي لإنقاذ المريض والقطاع ‏الصحي الذي يلفظ أنفاسه الاخيرة، فالانقاذ يبدأ بانتخاب رئيس للبلاد، لتأمين الحد الأدنى من ‏الاستقرار المالي والاقتصادي، واعادة انتظام الحياة الدستورية والتشريعية لتذهب الأمور في اتجاه ‏التعافي ووضع الخطط التنفيذية، لا سيما الصحية، والّا الانهيار الحتمي والتوقّف القسري لكل ‏القطاع الدوائي في غضون أيام».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى