بعد اكثر من ثلاثة اسابيع من مغادرة الرئيس ميشال عون مقره الرئاسي في بعبدا فشل البرلمان اللبناني الخميس الماضي للمرة السابعة لانتخاب رئيس للجمهورية.
ويحتاج المرشح في الدورة الاولى من التصويت الى غالبية الثلثين اي ٨٦ صوتا للفوز، وتصبح الغالبية المطلوبة اذا جرت دورة ثانية ٦٥ صوتا من ١٢٨ هو عدد اعضاء البرلمان، ويؤشر فشل البرلمان في انتخاب رئيس حتى الان الى ان العملية الانتخابية قد تستغرق وقتا طويلا في بلد نادرا ما تحترم فيه المهل الدستورية.
ويتزامن الفراغ الرئاسي مع وجود حكومة تصريف اعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات تلامس حاجات الناس وهو ما يعمق محنة “الشعب العنيد”
ويرفض العديد من القوى السياسية في لبنان اللجوء الى التوافق الذي تعتبره فكرة عشائرية طائفية تتستر خلفها القوى السياسية للحفاظ على مكاسبها و مواقعها واستغلالها للسلطة.
ولان الامور كذلك، فاننا حتما امام مزيد من التأزيم والانهيار على كل صعيد !! وقد اعتاد لبنان على مثل هذه الازمات وتذكرنا في فراغ العام ٢٠١٤ وهو الاطول بعد اتفاق الطائف وامتد لسنتين ونصف السنة، ولا يعرف احد الى متى سيستمر هذا الفراغ وهذا النزف!!
ولم يعد خفيا ان هناك خوفا مسيحيا ومارونيا من تواصل الفراغ يتمثل بخسارة الموقع الاول للمسيحيين في الدولة والشرق ، وهذا الامر يجري الاضاءة عليه، ويعبر عنه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي!! ويشتكي المسيحيون بعد اتفاق الطائف من تقلص صلاحيات رئيس الجمهورية. والموقع الماروني المهم الاخر هو قيادة الجيش وتشكل قيادته ممرا لرئاسة الجمهورية. وتقول مراجع مارونية انها تخشى على معظم المواقع المارونية المهمة التي ستصبح فارغة كالرئاسة الاولى، وايضا حاكمية المصرف المركزي التي ستقع في الفراغ اذ تنتهي ولاية الحاكم رياض سلامة في تموز القادم عندها سيتسلم نائبه من الطائفة الاسلامية الشيعية وسام منصوري هذا المركز بالوكالة.
اما الفراغ التالي فسيحصل في ايلول من العام الحالي ايضا اذ تنتهي ولاية رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود وبذلك يفقد الموارنة مركزا اداريا ثانيا، علما ان رئيس مجلس القضاء الاعلى هو رئيس اول تمييزي وفي حالة الشغور سيحل مكانه مدعي عام التمييز غسان عويدات السني وهو ما يؤدي الى مزيد من الحساسيات. واذا استمر الفراغ طويلا، عندها سيصل الدور الى مركز قائد الجيش الذي تنتهي ولايته في كانون الثاني من العام ٢٠٢٤ وعندها يتسلم رئيس الاركان الدرزي قيادة الجيش بعد احالة رئيس الاركان امين العرم الى التقاعد وعدم القدرة على تعيين بديل.
وقد تجلى الخوف الماروني في اوضح صوره في الساعات الماضية، عندما صدر عن محكمة الاستئناف قرارا يقضي بقبول طلب الرد المقدم من حاكم مصرف لبنان للقاضي زياد ابو حيدر الذي لم تعد له صفة بالملف، كما ان حسابات سلامة المشمولة بحمايات رعوية لم تعد هدفا للوفد القضائي الاوروبي، والغاية عدم اصدار قرارات ادانة تتيح مصادرة ممتلكات سلامة ونقل صلاحياته الى نائبه الاول، ما يعني خسارة الموارنة للموقعين الاهم في الدولة وخصوصا بعد ان تولى نجيب ميقاتي المسلم السني صلاحيات رئيس الجمهورية، وهو ما سيحصل عندما يتولى نائب الحاكم الاول وسيم منصوري الشيعي صلاحيات الحاكم الاول والمعروف تاريخيا ان المارونية السياسية هي التي تتولى التوجهات والمواقف والاراء السياسية للمسيحيين الموارنة في لبنان، وهم الذين سيطروا على السياسة في البلاد، ومنذ العام ١٩٢٠ لعب الموارنة دورا اساسيا في تأسيس دولة لبنان الكبير عبر الانتداب الفرنسي نتيجة للعلاقات التاريخية بين الطرفين. وفي تلك الفترة شكل الطرفين واقعا سيطر على البلاد وعينهم الفرنسيون في المناصب الرئيسية في الدولة، وارتبط الموارنة بالفينيقية والقومية اللبنانية وهي ايديولجيات ترفض الهوية العربية للبنان واللبنانيين، وتعتبر انهم منحدرون من الفينيقيين وهم اصحاب حضارة قديمة عاشت على ساحل لبنان. وتعد الحرب الاهلية ١٩٧٥ بداية سقوط المارونية السياسية ثم كان اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الاهلية.
ولبنان اليوم يعيش اسواء حالات الانهيار الاقتصادي والمصرفي والاخلاقي في ظل انقسام بين جميع الافرقاء ولا نستثني منهم احدا، ولا احد يريد ان يتحدث الى الاخر، وكذلك الشرق والغرب في عز انهيار العقد الاجتماعي وسط غياب مجلس وزراء معطل ومجلس نواب منقسم ولا ينتخب رئيسا للجمهورية بسبب الانقسام في موقف المسيحيين والموارنة خاصة حول تسمية الرئيس العتيد، ولا يطلب المسلمون الذين يشكلون اكثرية اللبنانيين، من المسيحيين سوى تسمية رئيس مسيحي لا يشكل لهم او لغيرهم استفزازا ولا يحمل لونا فاقعا، ويكون حكما وحكيما بين الجميع ، والا سنبقى عالقين في شرنقة اختلاف السياسيين المسيحيين حتى النفس الاخير.