شارك منسق عام جبهة العمل الإسلامي في لبنان سماحة الشيخ الدكتور زهير الجعيد في مؤتمر نهج البلاغة الدولي السادس الذي عقده مركز الفكر للحوار والإصلاح في بغداد عاصمة دولة العراق الشقيق تحت عنوان: (الحوار في نهج البلاغة).
وقد حضر المؤتمر مجموعة من الباحثين من بلدان شتى، وشارك في هذا المؤتمر أكثر من 40 باحثاً وباحثة ضمن العناوين التي وضعت في المؤتمر.
وقد افتتح المؤتمر بآيات من القرآن الكريم والنشيد الوطني العراقي، بعدها تمت قراءة سورة الفاتحة على أرواح الشهداء.
ثم بدأت الكلمات العلمائية في جلسة الافتتاح، التي كانت بدايتها مع رئيس الجهة المنظمة للمؤتمر “مركز الفكر للحوار والإصلاح” سماحة الشيخ مجيد العقابي مرحباً بالضيوف ومعرفاً بالمؤتمر وأهدافه وألقى كلمة وحدوية طيية.
ثم كانت كلمة منسق عام جبهة العمل الإسلامي ونائب رئيس الهيئة الإدارية في تجمع العلماء المسلمين في لبنان سماحة الشيخ الدكتور زهير الجعيد حيث قال:
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
ولأن عنوان المؤتمر: الحوار في نهج البلاغة
ويعقد في بغداد، بغداد التي علمتنا العلم والفقه والأدب والحوار والعرفان والتصوف.
بغداد الأئمة، أئمة أهل البيت عليهم السلام وأئمة الفقه من أبي حنيفة رضي الله عنه الذي أشرف باتباع مذهبه وتقليده، وبغداد التي أتى إليها الإمام الشافعي رضي الله عنه من غزة التي تذبح اليوم ليطلق فيها مذهبه الأول قبل أن يذهب إلى القاهرة ليطلق مذهبه الثاني.
بغداد أحمد بن حنبل رضي الله عنه وما تحمله من عذاب بسبب الفتن. بغداد عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه الذي أفخر بالانتساب إلى طريقته، والإمام أحمد الرفاعي ومعروف الكرخي والجنيد البغدادي وغيرهم الكثير من الائمة في السلوك والطريقة والفقه والعبادة الذين كانوا يذوبون حباً وولاءً لأئمة أهل البيت وعلى رأسهم من نجتمع هنا بمؤتمر للكلام عن الحوار في نهج بلاغته الإمام علي عليه السلام.
نأتي بهذه الروحية لهذا المؤتمر، ولأن سماحة الشيخ مجيد العقابي صاحب الدعوة تكلم بكلمته بصراحة، يجب أن لا يكون لقاؤنا لقاء مجاملة، بل علينا أن نضع الأصبع على الجرح، ولأنكم هنا أصحاب مشروع يبدأ من محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ومن الأئمة الأطهار، ولأن أئمة أهل البيت ظلموا ظلماً عظيماً، ولكن للأسف فإننا نرى بعضاً ممن يدّعي انتساباً لأهل البيت يتكلمون ويحرضون ويتهمون السنّة بأنهم هم من ظلموا أهل البيت عليهم السلام، مع أن أهل السنّة والجماعة الحقيقيون وأئمتهم وكثير من علمائهم ظلموا كذلك على يد السلطة الحاكمة من بني أمية وبني العباس ومن أتى بعدهم؛ فأهل السنة التزاماً بسنة رسولهم ونبيهم موالون ومحبون لأهل البيت. وحين بدأت كلمتي بذكر أئمة العرفان والتصوف وإمامي المدفون في الأعظمية الإمام ابي حنيفة النعمان رضي الله عنه الذي كان مؤسس المذهب الحنفي الذي ينتسب إليه جزء كبير جداً من المؤمنين السنة في العالم، فإنه اتهم بالتشيع لأهل البيت، ولم يقف مع العباسيين ولكنه وقف إلى جانب الإمام زيد عليه السلام وعذب ونكل به في سبيل آرائه وسبيل ولائه وبيعته.
نعم، بصراحة هناك تشنج حاصل بين المسلمين من السنة والشيعة نتيجة بعض ما يقوم به بعض المشايخ هنا وهناك من الجانبين من تحريض، بدل أن نعلم أبناءنا نهج إمامنا علي عليه السلام بما فعله من تحمل وصبر وسلوك سلكه حين بويع أبو بكر رضي الله عنه بالخلافة، فقبل علي عليه السلام “ولا أريد أن أدخل بالخلاف وتعدد الروايات حول المدة التي استغرقتها” ولكن ما هو مجمع عليه بين المسلمين أن علياً عليه السلام لم يرفع السيف بوجهه ووجه من بايعه، ولم يحرض على الفتنة بين المسلمين، بل كان خير ناصح ونصير وعون لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما حتى قال فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لولا علي لهلك عمر”، ففعل كل ذلك من أجل الإسلام ومنعته وحفظ وحدة الأمة.
نحن نعيش ضمن مؤامرة قديمة لتفريق المسلمين ولكن الجديد فيها حين دخل العدو الأمريكي إلى بغداد وأراد من خلال أفعاله وتحريضه وضربه لنسيج معين أن يقول أن الشيعة أتوا إلى الحكم في العراق على حساب السنة وفي وجههم، وهذا طبعاً افتراء وغير صحيح، ولكن رغم هذه الافتراءات المطلوب منا أن نكون علويين حقيقيين ومحمديين وإسلاميين ورساليين أن نفوت كل فرصة للفتنة هنا أو هناك، فإن علياً عليه السلام عمل وسعى من أجل حفظ الإسلام، واليوم رأس الإسلام بسنيه وشيعيه مطلوب أمريكياً وصهيونياً، وحين يدخل العدو الصهيوني إلى لبنان ليحتله عام 1982 فيدخل إلى الجنوب لينكل بالشيعة وإلى صيدا وبيروت لينكل بالسنة دون تفرقة، وفي فلسطين يقتل ويشرد الفلسطينيين من المسلمين والمسيحيين دون تفرقة، فإنه بفعله هذا لا ينكل بالسنة أو الشيعة ولا المسلمين ولا المسيحيين لوحدهم، ولكنه يعادي وينكّل بكل صاحب قضية وبكل حر مهما كان انتماؤه الديني والمذهبي والطائفي.
نحن جميعاً أمام عدو مشترك واحد، ونحن جميعاً كالجسد الواحد نؤمن بالله تعالى ونقول أننا نعمل من أجل خدمة الإسلام. وفي مؤتمر الحوار في نهج البلاغة فإن أول مبادىء الحوار تكون كما أشار سماحة الشيخ مجيد هو احترام قدسية ما يؤمن به الآخر وعدم التعرض لمقدساته والإساءة لها. فمن غير المقبول أن نجلس سوية ونظهر أننا نحب بعضنا البعض وموحدون، ثم نذهب ويتعرض السني لمقدسات الشيعي، والشيعي لمقدسات السني، ورب العالمين قال: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة)، ومعنى الأمة الواحدة أننا أخوة شئنا أم أبينا، وقال الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).
هكذا أفهم كل ما جاء في نهج البلاغة من دروس وعبر وخطب، وكل ما قام به الإمام علي عليه السلام في سلوك حياته وأفعاله وسيرته.
علي عليه السلام لو كان موجوداً بيننا اليوم وفلسطين تذبح واقدس المقدسات فيها؛ المسجد الاقصى وكنيسة القيامة تحت الهدم والتدنيس وتنتهك كرامة الإنسان الفلسطيني، ناهيك عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ، ويهللون في الكيان الصهيوني والعالم الغربي حين يقتل القادة من حركة الجهاد الإسلامي ولكنهم لا يرون أشلاء الأطفال وأجساد النساء والشيوخ التي تقطع نتيجة القصف الصهيوني الغادر، هم يفرحون لأننا ضعيفون في تقديم وشرح مظلومية الشعب الفلسطيني.
لو كان علي عليه السلام أولم يكن إلى جانبهم هؤلاء المظلومين وجانب حركة الجهاد الإسلامي السنية التي تتلمذت وتربت على نهج علي وجهاد علي وسيف علي عليه السلام، فهم الذين استقوا من نهج البلاغة وصية الإمام علي لابنه محمد ابن الحنفية حين قال له: “أعِر لله جمجتك، وتد في الأرض قدمك، وارمي إلى ناحية رأس القوم، وغضَّ بصرك، واعلم أن النصر من عند الله”. بالوحدة والحوار والجهاد التي هي عناوين علي بن أبي طالب عليه السلام التي هي عنوان الإسلام ننتصر على كل أعداءنا.
أدعو الله عز وجل أن يحفظكم جميعاً وأن يحفظ المسلمين وأن يحقن دماءهم، وأن ينصر إخواننا المجاهدين في فلسطين.