Responsive Image
منوعات

الذكرى 34 لرحيل ناجي العلي.. اللاجئ والفنان الذي استشرف المستقبل بالكاريكاتير

ناجي العلي رسم نحو 40 ألف كاريكاتير خلال مسيرته الفنية واشتهر بشخصية “حنظلة” التي ابتدعها عام 1969 (مواقع التواصل)

ظهيرة يوم 22 يوليو/تموز 1987 كان الفنان الفلسطيني ناجي سليم العلي يمشي في شارع آيفز في منطقة نايتس بريدج (وسط لندن)، متجها إلى مكتب جريدة “القبس” الكويتية، حين تلقى عدة رصاصات أصابت إحداها عنقه، في حين أصابت أخرى أسفل عينه اليمنى، وغاب عن الوعي، واستمر في غيبوبته نحو 37 يوما، حتى أُعلنت وفاته رسميا في 29 أغسطس/آب.

وفي ذكرى رحيله احتفى ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بشخصية “حنظلة” التي أبدعها الرسام الراحل، والتي أصبحت توقيعا في نقده للاحتلال والحكام العرب، كما كانت سببا في تصاعد شهرته حتى اغتياله.

و”حنظلة” طفل فلسطيني يتخذ وضعية الشاهد على الحدث الذي تصوره لوحات العلي، وقال عنه العلي إنه وُلد في سن العاشرة ولن يكبر أو يدير وجهه إلا عندما يحين استرداد الكرامة العربية.

الاستشراف برسم الكاريكاتير

وقال الإعلامي والباحث خالد الفقيه لتقرير سابق “للجزيرة نت-” إنه أعد بحثا حول الرموز في رسوم ناجي العلي، معتبرا أن الرسام الفلسطيني امتلك نبوءة واستشرافا للعديد من المحطات السياسية، وأبرزها تنبؤه بالانتفاضة الشعبية الأولى التي انطلقت بعد شهور من اغتياله عام 1987، حتى أنه توقع برسومه أن يكون مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة نابلس إحدى بؤر هذه الانتفاضة المهمة، وكان ذلك.

وكان من أوائل المحذرين من بناء حكم ذاتي للفلسطينيين مقابل السلام مع إسرائيل، وفي أحد رسومه عبر عنه باللباس الذي سيعري القضية الفلسطينية، وجاء اتفاق أوسلو بعد اغتياله بـ6 سنوات (1993).

وتنبأ العلي بالتكالب على قوى المقاومة، وبالظاهرة التكفيرية التي انتشرت في العالم العربي، وكذلك بالفُرقة الطائفية في العديد من الدول العربية. وبشكل مسبق أيضا، رسم ناجي العلي مستشرفا انهيار المعسكر الاشتراكي رغم كونه أحد حملة هذا الفكر.

وقال الفقيه إن “ناجي دفع ثمن جرأته ونبوءاته للمستقبل”، ولذلك اتهمت أكثر من 17 جهة فلسطينية وغيرها باغتياله لأنه رفض المساومة والصمت؛ ولهذا لم يأتِ من يسد الفراغ الذي تركه في الرسم الكاريكاتيري النقدي الجريء.

اختار ناجي تعريف نفسه بالقول “أنا أرسم لفلسطين”، ورد على التهديدات لإسكاته قائلا “لو ذوّبوا يدي بالأسيد سأرسم بأصابع رجلي”.

وتعبيرا عن استمرار تأثير رسومه، ما زالت شخصية “حنظلة” التي وقّع بها أعماله رمزا لمعظم الحركات الثورية في فلسطين وخارجها، وهي شعار حركة مقاطعة إسرائيل عالميا (بي دي إس).

ناجي اللاجئ والفنان

لا توجد وثائق أو مصادر مؤكدة تحدد تاريخ ميلاد ناجي سليم حسين العلي على وجه الدقة، لكن المرجح أنه ولد عام 1937 في قرية “الشجرة” بمنطقة الجليل لأسرة فلسطينية تعمل في الزراعة.

هجّر الطفل مع عائلته في نكبة فلسطين إلى الجنوب اللبناني، حيث استقر بهم المقام في مخيم عين الحلوة القريب من مدينة صيدا، وعاش في خيمة لا تزيد مساحتها على 10 أمتار مربعة، وبدأ منذ صغره التعبير عن ألم اللجوء ومأساة قضيته بالرسم على حيطان المخيم.

بدأت رحلته مع الرسم داخل الزنزانة، فخلال اعتقاله من قبل الاحتلال الإسرائيلي ملأ جدران السجن بالرسوم، ثم كرر الأمر حين اعتقله الجيش اللبناني.

نقل تجربته على جدران الزنزانة إلى جدران مخيم الحلوة، فشاهد الصحفي غسان كنفاني خلال زيارة المخيم بعض رسومه، ونشر أحدها في العدد 88 من مجلة “الحرية” في 25 سبتمبر/أيلول 1961.

و”حنظلة” الطفل ابن العاشرة شخصية كاريكاتيرية ابتدعها العلي عام 1969 عندما كان يعمل في صحيفة “السياسة” الكويتية، وقال عنه الرسام الراحل إنه لن يكبر إلا بعد عودته إلى فلسطين موطنه الأصلي، ويفسر ذلك بأنه “في تلك السن غادر فلسطين، وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعدُ في العاشرة، ثم يبدأ الكبر؛ فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما أن فقدان الوطن استثناء”.

ويظهر “حنظلة” دائما مديرا ظهره عاقدا يديه خلفه، لأنه يرفض التسليم بأي محاولة احتواء أو مساومة على قضيته.

الرسام والصحفي

عمل ناجي العلي في الصحافة متنقلا بين لبنان والكويت ولندن، يرسم ساخرا من قائد أو زعيم عربي، أو متندرا على واقع مؤلم، أو مشرّحا سياسة إسرائيلية أفقدته الدار والوطن.

في عام 1963 هاجر إلى الكويت، وعمل رساما للكاريكاتير بمجلة الطليعة الكويتية، ثم انتقل بعد 5 أعوام إلى جريدة السياسة الكويتية، وظل يرسم فيها حتى منتصف السبعينيات، إذ التحق بجريدة السفير اللبنانية، وعاد إلى بيروت.

وفي سنة 1979 انتخب رئيسا لرابطة الكاريكاتير العربي، ثم عاد إلى الكويت للعمل في جريدة القبس، وظل بها عامين، قبل أن ينتقل إلى بريطانيا عام 1985 ويعمل في جريدة القبس الدولية.

وأصبحت شخصية “حنظلة” توقيعا يمهر به العلي رسومه، كما كانت لديه شخصيات أخرى تتكرر في الرسوم، بينها الشخصية الصريحة الواضحة الفلسطينية “فاطمة”، وزوجها الذي ينكسر أحيانا.

رسم نحو 40 ألف كاريكاتير خلال مسيرته الفنية، وكانت ريشته مشرطا يحاول استئصال كل الأورام الخبيثة في الجسم العربي، وتميزت رسومه بالجرأة والصراحة، وملامسة هموم الناس وتوجهات الشارع العربي.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى