Responsive Image
أخبار الجبهةمواقف وأقوال

من حق الإسلام أن تكون له دولة ومن حق الإسلاميين أن يكون لهم أحزاب سياسية

إعداد : فضيلة الشيخ الدكتور هاشم منقارة “رئيس مجلس قيادة حركة التوحيد الإسلامي/عضو جبهة العمل الإسلامي وإتحاد علماء بلاد الشام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين
قال تعالى: (یَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِیفَة فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْھَوَىٰ فَیُضِلَّكَ عَنْ سَبِیلِ اﻟﻠﮧَّ )
في سياق الحرب الممنهجة والشاملة على الإسلام تحت حجج باتت مكشوفة الدوافع والأهداف مثل: الحرية والديمقراطية وحقوق المرأة والطفل إلى ما سوى ذلك من تسميات يراد منها هدم بناء الشريعة الإسلامية حجراً فحجر مقدمة لإقصاء الإسلام عن دورة الحياة نفسها انهم لا يستطيعون قول ذلك مباشرة فهذا نابليون ادعى انه احتل مصر لتطبيق الشريعة ووجد من يناصره من الأعراب والمتأسلمين لكنه إندحر وبقي الإسلام والمسلمين واليوم بل منذ مدة وبنفس الدوافع والأهداف ترتفع أصوات للنيل من الحركة الاسلامية والإسلام السياسي لأن كل ما له علاقة بالإسلام يراد القضاء عليه كي يسود الفساد وتسود الرزيلة وتعم الفوضى إنها ثقافة الظلم والعنجهية والاستكبار وهذا أمر طبيعي لقد تفرد الإسلام بحمل راية الوحدانية والعدالة بمفهومها العام ورفض الخنوع أمام الظلم ومسايرته وقرر المواجه وقبول التحدي من المبتدى إلى المنتهى قال تعالى :{ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (32) سورة التوبة.
عجباً لهؤلاء القوم يطالبون بالليبرالية والعلمانية والبوزية والرأسمالية والإشتراكية والمسيحية والصهيونية السياسية ويرفضون الإسلام السياسي بل الإسلام بعينه.
لا شك أن الحركة الاسلامية الوحدوية المقاومة هي مشكلة الأعداء لانها ترفض الإستسلام والخضوع والهيمنة وتأبى ألا أن يكون الإسلام وأهله أحراراً أعزاء.
بالطبع ليست الحركة الإسلامية وبالتالي الإسلام السياسي هدفاً بل وسيلة لإقامة شرع الله سبحانه بقصد تحقيق العدل وهو عبادة أيضاً،وعليه الحركة الإسلامية تخطأ وتصيب في سيرها ومسيرتها ككل الوسائل لكن أن ندعو لإصلاح ما وجد في مسيرتها من تقصير أو خلل شيئ وأن ندعو للقضاء عليها وبتشفي شيئ آخر.انهم يريدون الإسلام المدجن الذي لا يفتح فاه تجاه أية قضية وتبدو فلسطين هي القضية الكبرى في السياق المعاصر.

ثوابت النظام السياسي في الإسلام

إن التسلیم لثوابت الإسلام الحاكمة هو المعنى الوحید لكلمة “إسلام”، فالإسلام هو الإستسلام الكامل والخضوع ﻟﻠﻪ، قال سبحانه : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اﻟﻠﮧَُّ وَرَسُولُه أَمْرًا أَنْ یَكُونَ لَھُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِھِمْ وَمَنْ یَعْصِ اﻟﻠﮧََّ وَرَسُولَه فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِینًا) .. والخیرة: أي الإختیار، ولاحظ كیف جعل لله التخلي عن الثوابت سببا للضلال المبین، بكل ما تحمله هذه العبارة من معاني الضیاع وفقدان الأصلح والشقاء الدنیوي ثم الأخروي.
وقال تعالى:- ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤْمِنُونَ حَتَّى یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیْنَھُمْ ثُمَّ لَا یَجِدُوا فِي أَنْفُسِھِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَیْتَ وَیُسَلِّمُوا تَسْلِیمًا) فاﻟﻠﻪ مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم ینفي عن البعض صفة الإیمان حتى یحكّموا النبي صلى الله عليه وسلم ویرضوا بحكمه ویسلموا له تسلیماً كاملا.
وفي نفس المعنى قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِینَ یَزْعُمُونَ أَنَّھُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَیْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ یُرِیدُونَ أَنْ یَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ یَكْفُرُوا بِه وَیُرِیدُ الشَّیْطَانُ أَنْ یُضِلَّھُمْ ضَلالا بَعِیدًا) فقد جعل إیمانهم زعما أي حكم علیهم بعدم الإیمان لكونهم یریدون تحكیم غیر الشرع فیما ثبت للشرع حكم قاطع فیه.
والحق في الإسلام هو الذي یحدد الشرعیة، فلا شرعیة لشيء یخالف الحق، وسلب الشرعیة من الحق وإعطاؤها لأي مصدر آخر غیر الحق هو عین الخلاف الذي وقع بین الإسلام والجاهلیة الأولى، فقد اختلف كفار قریش مع النبي صلى الله عليه وسلم حول الشرعیة، فالنبي یحدثهم عن شرعیة الحق الذي جاء به الوحي وهم یحدثونه عن شرعیة ما وجدوا علیه الآباء والأجداد، قال تعالى: (وَإِذَا قِیلَ لَھُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اﻟﻠﮧُّ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَیْنَا عَلَیْه آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُھُمْ لاَ یَعْقِلُونَ شَیْئاً وَلا یَھْتَدُونَ ).
الإسلام “دين ودولة”
لقد سبق وفصلنا في بحث سابق تحت عنوان: الإسلام “دين ودولة” وبرهنا ان مقولة “لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة (،دعوة مشبوهة لإقصاء الإسلام عن واقع الحياة)
نورد منه”يهال المسلم أن يسمع هذا التجديف “إن الإسلام إذا تدخل في السياسة لم يعد إسلاماً”وهو يصدر عن (قيادات سياسية ونخب ثقافية وإجتماعية) تعتبر نفسها ممثلة لطيف واسع من المسلمين وإن كان ذلك التمثيل بلبوس علماني وليبرالي وما شابه وشاكل،فإن كانت مثل هذة القيادات تعلم مضامين ما تفوهت به فتلك مصيبة وإن كانت لا تعلم فتلك مصيبة أكبر.
يقولون: لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة. وهذا قول باطل وغير صحيح، والذين فعلوا ذلك يريدون أنْ يجعلوا لأنفسهم سلطة زمنية تخضع لأهوائهم ليفعلوا ما يريدون.
لقد تعمدوا عدم الارتباط بمنهج السماء في إدارة شئون الأرض، لأن منهج السماء يقيد حركتهم، ونسُوا أنه أيضاً يقيد حركة المحكومين لمصالحهم.
الإسلام منهج شامل
منهج الله شمل الحياة كلها، من قمة لا إله إلا الله إلى إماطة الأذى عن الطريق، ماذا يريدون من تعطيل شرع الله وعزله عن حركة الحياة، الحق سبحانه جعل العبادة لصالح الخلق، تنظم حركة حياتهم وتسعدهم.
إذن: حركة الحياة ليست هي الصلاة فحسب، بل كل ما يعينني على أداء الصلاة وكل ما يعينني على أداء الزكاة والصوم والحج.
إذن: العبادة أمر شائع في كل حركة الحياة، فكيف نفصل الدين عن حركة الحياة كلها، فضلاً عن أنْ نفصله عن سياسة أمر الخَلْق وتدبير شئونهم؟
الإسلام حين يحكم سينشئ الشعوب نشأة أخرى
الغرب وأذنابه يريدون إسلام منبطح يستفتي في منع الحمل ونواقض الوضؤ ولا يستفتي أبدا في اوضاعنا السياسية والإقتصادية والإجتماعية.الغرب يريد إحلال “إسلام انهزامي” محل الإسلام الحقيقي الوحدوي المقاوم الدين الذي جاء به رسول الإسلام محمد بن عبد الله صلوات الله عليه .
”إن الإسلام الذي يريده الغرب في الشرق ليس هو الإسلام الذي يقاوم الإستعمار، وليس هو الإسلام الذي يقاوم الطغيان ، ولكنه فقط الإسلام الذي يتناحر في الداخل، إنهم لا يريدون للإسلام أن يحكم، لأن الإسلام حين يحكم سينشئ الشعوب نشأة أخرى، وسيعلم الشعوب أن إعداد القوة فريضة ، وأن طرد المستعمر فريضة ، وأن الشيوعية كما الرأسمالية المتوحشة وباء كالإستعمار، فكلاهما عدو ، وكلاهما إعتداء ”
“ريتشارد نيكسون”دعا الغرب من أمريكا إلى روسيا الى الإتحاد في وجه الإسلاميين
الغرب يريد للشرق إسلاماً يجوز أن يُستفتى في منع الحمل، ويجوز أن يستفتى في دخول المرأة البرلمان، ويجوز أن يستفتى في نواقض الوضوء، ولكنه لا يستفتى أبدا في أوضاعنا الاجتماعية أو الإقتصادية أو نظامنا المالي ، ولا يستفتى أبدا في أوضاعنا السياسية والقومية وفيما يربطنا من صلات” .
إسلام أكد عليه الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه ” الفرصة السانحة ” عندما دعا الغرب من أمريكا الى روسيا الى الإتحاد في وجه الإسلاميين الذين :يريدون إسترجاع الحضارة الإسلامية السابقة عن طريق بعث الماضي، والذين يهدفون الى تطبيق الشريعة الإسلامية ، وينادون بأن الإسلام دين ودولة “
لهذا كانت مهمة الخليفة في رأي الإسلام دينية ودنيوية، ولا يمكن حصرها في مجال ضيق، لأنه من المستحيل فصل هذا عن ذلك لأن النصوص القرآنية والسنة وسيرة الصحابة تقطع بخلاف ما يقوله العلمانيون ويتمثل ذلك في قوله تعالى، (وأن احكم بينهم بما أنزل الله إليك) وقوله تعالى (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما) وقوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) وقوله تعالى (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).
الدين والسياسة و تحديد المفاهيم
الإسلام أوسع من كلمة الدين، إذ إن الدين جزء من الإسلام، وهو ضرورة من الضرورات الخمس التي جاء الإسلام لحفظها.
أما بالنسبة لكلمة السياسة لم ترد في القرآن مطلقا، لكننا نرد على من يتوهم أن عدم ورودها يعني عدم إهتمام الإسلام بالسياسة فنقول: ولا ريب أن هذا القول ضَرْب من المغالطة، فقد لا يوجد لفظ ما في القرآن الكريم، ولكن معناه ومضمونه مبثوث في القرآن،مثلا لذلك كلمة “العقيدة”، فهي لا توجد في القرآن ومع هذا مضمون العقيدة موجود في القرآن كله، ومثل ذلك كلمة “الفضيلة” فهي لا توجد في القرآن، ولكن القرآن مملوء من أوله إلى آخره بالحثِّ على الفضيلة، واجتناب الرذيلة.
ولتأكيد رسوخ مفهوم السياسة في الإسلام، ندلل على ذلك بوضوح هذا المفهوم عند معظم فقهاء الاسلام.
ضرورة الإرتباط بين الدين والسياسة هي لأدلة شرعية وتاريخية منها: فكرة شمول الإسلام وتعاليمه، حيث إن الإسلام لم يدع جانبا من جوانب الحياة إلا تعهده بالتشريع والتوجيه.
“للإسلام موقف واضح وحكم صريح في كثير من الأمور التي تُعتبر من صلب السياسة, فالإسلام ليس عقيدة لاهوتية أو شعائر تعبُّدية فحسب، إنه عقيدة وعبادة وشريعة متكاملة”
ومنها: أن الإسلام يرفض تجزئة أحكامه وتعاليمه، وأخذ بعضها دون بعض. ومنها: أن الحياة وحدة لا تنقسم. فلا يمكن أن تصلح الحياة إذا تولى الإسلام جزءا منها كالمساجد والزوايا يحكمها ويوجهها، وتُركت جوانب الحياة الأخرى لمذاهب وضعية، وأفكار بشرية، وفلسفات أرضية، توجهها وتقودها.
أما العلمانيون: فأنهم يرون العلاقة بين الدِّين والسياسة علاقة تضاد وتصادم، وأن الدِّين شيء، والسياسة خصم له، وأنهما لا يلتقيان.
فمصدرهما مختلف، وطبيعتهما مختلفة، وغايتهما مختلفة. فالدِّين من الله، والسياسة من الإنسان. والدِّين نقاء واستقامة وطهر، والسياسة خبث والتواء وغدر.
والدين غايته الآخرة، والسياسة غايتها الدنيا. فينبغي أن يترك الدِّين لأهله، وتترك السياسة لأهلها. وإزاء هذه الشبه المثارة نقول:
“إن للإسلام موقفًا واضحًا، وحكمًا صريحًا في كثير من الأمور التي تُعتبر من صُلب السياسة. فالإسلام ليس عقيدة لاهوتية، أو شعائر تعبُّدية فحسب، إنه عقيدة، وعبادة، وخلق، وشريعة متكاملة”.
وبعبارة أخرى: هو منهاج كامل للحياة، بما سنَّ من تشريعات، تتَّصل بحياة الفرد والأسرة والمجتمع، وأُسس الدولة، وعلاقات العالم. ومن قرأ القرآن الكريم والسنة المطهرة وجد هذا واضحًا كل الوضوح.
حتى إن قسم العبادات من الفقه ليس بعيدًا عن السياسة، فالمسلمون مُجْمِعُون على أن ترك الصلاة، ومنع الزكاة، والمجاهرة بالفطر في رمضان، وإهمال فريضة الحج مما يوجب العقوبة، والتعزير.
الدين و السياسة:
من حق الإسلام أن تكون له دولة و من حق الإسلاميين أن يكون لهم حزب سياسي
أولا: أن من حق الإسلام أن تكون له دولة، لأن هذه هي طبيعة الدين، كما أن التاريخ الإسلامي يقر بهذا فلم يعرف التاريخ دينا بلا دولة ولا دولة بلا دين.
وثانيا: أن من حق الإسلاميين أن يكون لهم حزب سياسي، وهذا الحزب: لا يرخص له بتكوين حزبه إلا بعد أن يقدم برنامجه، ويحدد فيه رؤيته ورسالته، ويبين أهدافه ووسائله، ومناهجه في إصلاح المجتمع من نواحيه المختلفة (اقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية وسياسية وأخلاقية… إلخ).
فإذا كان في هذا البرنامج دعوى الحكم بالحق الإلهي على شاكلة داعش واخواتها: رفض طلبه. وأنه لا مانع من وجود حزب معارض للدولة الإسلامية لأن امير المؤمنين سيدنا على رضي الله عنه سمح لجماعة الخوارج المعارضين لحكمه بأن يكون لهم وجودهم الحزبي والسياسي، مع أفكارهم المعارضة، بشرط أن لا يبدؤوا المسلمين بقتال.
“حق الإسلام أن تكون له دولة، لأن هذه هي طبيعة الدين، كما أن التاريخ الإسلامي يقر بهذا فلم يعرف التاريخ دينا بلا دولة ولا دولة بلا دين”
وثالثا: أن دولة الإسلام دولة مدنية مرجعيتها الإسلام، ومعنى “مدنية الدولة” كما: أنها تقوم على أساس اختيار القوي الأمين، المؤهل للقيادة، الجامع لشروطها، يختاره بكل حرية: أهل الحل والعقد، كما تقوم على البيعة العامة من الأمة، وعلى وجوب الشورى بعد ذلك، ونزول الأمير أو الإمام على رأي الأمة، أو مجلس شوراها، كما تقوم كذلك على مسؤولية الحاكم أمام الأمة.
ورابعا: فدولة الإسلام دولة شورية تتوافق مع جوهر الديمقراطية،ما يعني الإسلاميين من الديمقراطية هو الجانب السياسي منها، وجوهره أن تختار الشعوب من يحكمها ويقود مسيرتها، ولا يفرض عليها حاكم يقودها رغم أنفها.
وخامسا: فهي دولة تحافظ على حقوق الأقليات الدينية.
وسادساً: فهي دولة تهتم بحقوق الإنسان، وأنه لا يوجد دين كالإسلام عُني بالإنسان، وقرَّر أن الله كرمه، وأنه جعله في الأرض خليفة، وأنه سخر له ما في السماوات وما في الأرض، وأنه خلقه في أحسن تقويم. كل هذا من كرامته على الله سبحانه.
كما أن الإسلام جعل حقوق الإنسان في معظم الأحيان فرائض وواجبات، إذ الحق يجوز للإنسان أن يتنازل عنه، أما الفرض والواجب اللازم، فلا يجوز فيه ذلك وخاصة حقوق الضعفاء لدى الأقوياء.
«الاسلام السياسي» والتعددية السياسية من منظور اسلامي»
“الاسلام السياسي” يستخدم للدلالة على الجماعات التي تعمل بالسياسة. وأن السياسة في المفهوم الاسلامي لها معنى مختلف عن الغرب، ففي الغرب تعني القوة بينما في الإسلام تعني التدابير التي يكون معها الناس اقرب للصلاح وابعد عن الفساد، فهي مضبوطة بضوابط اخلاقية.
الاسلام دين التوحيد والتعددية السياسية
التعددية ضرورة تمييز الإسلام في نظرية التعددية، فهي حق من حقوق الإنسان في الإسلام، بل تبلغ درجة أنها سنة من سنن الله تعالى التي لا تبديل لها ولا تحويل، فنحن في الرؤية الإسلامية لدينا واحدية في الذات الالهية فقط، وما عداها يقوم على التعدد والتنوع، فالتعددية قانون كوني، وعله الخلق هي الإختلاف.

“الغرب”يريد لنا التبعية
فالإسلام هو من بدا الإعتراف بالآخر، وبه بدأ التسامح الذي لم يعرف قبله، واقر الإسلام التعددية من خلال إعترافه ليس فقط بمن يعترفون به بل حتى بمن يجحده وبنكره، والدولة الإسلامية في الشرق الإسلامي وسعت كل الاديان السماوية في إطار التعددية الدينية التي كانت قانونا مرعيا فيها، كما تعددت الأقاليم واللغات والأجناس داخل الإطار الإسلامي، لذلك فإن كل الوان التعددية لم تكن مجرد فكر في الكتب والسنن بل وضعتها الحضارة الإسلامية موضع التطبيق والممارسة، فكانت دائما تؤمن بالاخر، بينما الحضارة الغربية هي من تضيق بالآخر، فالغرب لا يريد لنا التميز والحضارة بل يريد أن يصب العالم الإسلامي في قالب العولمة والتبعية.

مشروعية وجود أحزاب سياسية في الإسلام

مشروعية وجود أحزاب سياسية في الإسلام: أن الإسلام الذي وسع التعددية الفكرية الفقهية يتسع للتعددية السياسية، فالكلام في الفقه هو إجتهاد للإصلاح الإجتماعي، والمذاهب الفقهية هي مأسسة للشورى ومأسسة للإجتهاد كذلك أنت في الحزب السياسي لون من تلك المأسسة، والفقهاء قننوا هذه التعددية عندما قالوا أن إجتهاد المجتهد غير ملزم للمجتهد الاخر.
ومن هنا يتوضح الفرق بين الشورى الإسلامية والديمقراطية الغربية: أن الخلاف مع الفلسفة الغربية ينبع من كونها تجعل سلطة الأمة مطلقة حتى ولو أحلت حراماً، وحرمت حلالاً، وفي الشورى الإسلامية الأمة هي مصدر السلطات والتشريع، فالأمة مستخلفة من الله تعالى ولكن هناك ضوابط وحدود للحلال والحرام بعكس الأمة الغربية التي تفتقد تلك الضوابط والحدود.

الواقع التعددي الراهن

أن حال التعددية في الواقع الذي نعيش فيه حال بائس، وبعض الإسلاميين إلى الآن يضيقون بالآخر ولا يعترفون به، وهو الآخر الآسلامي، ويقيمون حروبا داخلية وهذا نوع من العماء الفكري، لذلك هذه القضية اليوم بحاجة لكثير من الطروحات والمناقشات حولها، فنحن بحاجة لتطبيق واقعي صحيح للتعددية، وأن من نعم الله على الإسلام أنه ليس هناك إجتهاد يجب غيره، حتى الفتوى غير ملزمة للشخص بل على المفتي أن يفتي بمذهب السائل مراعياً طبيعة بلاده، ونحن لدينا ثراء إسلامي في مجال التعددية بحاجة لإعادة النظر فيه من جديد، فالتعددية إذا وضعت موضع الممارسة والتطبيق سوف تفجر ملكات الإبداع والإنتاج، إن التعددية هي طوق نجاة للأمة من الأزمة الحضارية الراهنة.

حرب خاسرة على الإسلام السياسي

تشن منذ أعوام، حرباً ضروسًا على قوى الإسلام السياسي وتياراته، بمختلف أطيافها. وهي حرب إستخدمت فيها كل الأسلحة القمعية والإعلامية والبحثية والإقتصادية، من أجل استئصال شأفة هذه التيارات، والتخلص منها. وهي حربٌ كانت أشبه بإنتقام سياسي.

فعلى مدار السنوات الماضية، تم حشد الأموال والقنوات والأصوات وطالبي الشهرة من أجل شيطنة الإسلام السياسي وتشويهه، باعتباره الخطر الذي يهدّد الأمة، والذي يجب أن يتم القضاء عليه بأي ثمن.

كان بإمكان هذه السلطويات أن توفر أموالها الطائلة، وأن تترك الشعوب تتولى محاسبة الإسلام السياسي على أداء تياراته في السلطة. وكان أجدر بها أن تضع أموالها في تقوية المجتمعات العربية تعليمياً وثقافيا من أجل رفع مستوى الوعي السياسي الذي من شأنه منافسة قوى الإسلام السياسي فعلياً على المدى الطويل. وكان من الأفضل لها أن تستثمر أموالها في تنمية قدرات الشباب العربي، العاطل عن العمل، من أجل إبعاده عن الإلتحاق بالجماعات الراديكالية المتطرّفة.

إستهداف الإسلام السياسي القصد منه إسكات الصوت المعارض للإحتلال والتسوية مع العدو الصهيوني
لا شك أن أمريكا وأذنابها في المنطقة كما حال سلفها بريطانيا وأعوانها قد ضاق صدرهم بالإسلام السياسي الوحدوي المقاوم لأنه ببساطة يجابه الإحتلال ويجابه التطبيع ويحول دون إتمام صفقة العصر لتصفية القضية الفلسطينية ومن أجل عيون تل ابيب تحاصر غزة كما لبنان وإيران ودول أخرى يجب أن يفهم هؤلاء أن الإسلام السياسي ليس مجرد تيار سياسي يسهل إقتلاعه أو القضاء عليه، وإنما هو محيط حاضن وخيار أمة

رد على دعاة فصل الدين عن السياسة.

وعن أَبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُول اللَّه ﷺ: كَانَت بَنُو إسرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبياءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبيٌّ، وَإنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي، وسَيَكُونُ بَعدي خُلَفَاءُ فَيَكثُرُونَ، قالوا: يَا رسول اللَّه، فَما تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: أَوفُوا بِبَيعَةِ الأَوَّلِ فالأَوَّلِ، ثُمَّ أَعطُوهُم حَقَّهُم، وَاسأَلُوا اللَّه الَّذِي لَكُم، فَإنَّ اللَّه سائِلُهم عمَّا استَرعاهُم متفقٌ عليه.
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( تسوسهم الأنبياء)) دليلٌ على أن دين الله- وهو دين الإسلام في كل مكان وفي كل زمان- هو السياسة الحقيقية النافعة، وليست السياسة التي يفرضها أعداء الإسلام من الكفار.
السياسة حقيقة ما جاء في شرع الله، ولهذا نقول إن الإسلام شريعة وسياسة، ومن فرق بين السياسة والشريعة فقد ضلّ؛ ففي الإسلام سياسة الخلق مع الله، وبيان العبادات، وسياسة الإنسان مع أهله، ومع جيرانه، ومع أقاربه، ومع أصحابه، ومع تلاميذه، ومع معلميه، ومع كل أحد؛ كل له سياسة تخصه، سياسة مع الأعداء الكفار، ما بين حربيين ومعاهدين ومستأمنين وذميين.
وكل طائفة قد بيّن الإسلام حقوقهم، وأمر أن نسلك بهم كما يجب، فمثلاً الحربيون نحاربهم، ودماؤهم حلال لنا، وأموالهم حلال لنا، وأراضيهم حلال لنا.
والمستأمنون يجب أن نؤمنهم، كما قال الله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) (التوبة:6).
والمعاهدون يجب أن نوفي لهم بعهدهم ، ثم إما أن نطمئن إليهم، أو نخاف منهم، أو ينقضوا العهد.

ثلاث حالات كلها مبينة في القرآن ؛ فإن اطمأننا إليهم وجب أن نفي لهم بعهدهم، وإن خفناهم فقد قال الله تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) (لأنفال:58) ، قل لهم : ليس بيننا عهدٌ إذا خفت منهم، ولا تنقض العهد بدون أن تخبرهم.
والثالث هم الذين نقضوا العهد ( فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)(التوبة:12)، إذا نقضوا العهد فلا إيمان لهم ولا عهد لهم، فالمهم أن الدين دين الله وأن الدين سياسة: سياسة شرعية، سياسة اجتماعية، سياسة مع الأجانب، ومع المسالمين، ومع كل أحد.
ومن فصل الدين عن السياسة فقد ضل؛ وهو بين أمرين:
إما جاهل بالدين ولا يعرف ، ويظن أن الدين عبادات بين الإنسان وربه، وحقوق شخصية وما أشبه ذلك؛ يظن أن هذا هو الدين فقط.
أو أنه قد بهره الكفرة وما هم عليه من القوة المادية، فظن أنهم هم المصيبون.
وأما من عرف الإسلام حق المعرفة عرف أنه شريعة وسياسة..
فصل السياسة عن الدين، أصله مبني على فكر علماني الحادي وجاهلي
ان فصل الدين عن السياسة أو بالأحرى فصل السياسة عن الدين، فأصله مبني على فكر جاهلي مناقض للإسلام، وهو العلمانية بمفهومها الغربي، وهي تدخل في الناقض الرابع من النواقض العشرة التي ذكرها أهل العلم، ونصه: “من اعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه، فهو كافر”.
ويدخل في القسم الرابع: من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الإسلام، أو أنها مساوية لها، أو أنه يجوز التحاكم إليها، ولو اعتقد أن الحكم بالشريعة أفضل، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين، أو أنه كان سببا في تخلف المسلمين، أو أنه يحصر في علاقة المرء بربه، دون أن يتدخل في شئون الحياة الأخرى…

وللمزيد من التوسع يمكن الرجوع إلى بعض دراساتنا التي نشرناها سابقاً مثل:
الرؤية الشرعية لمجريات الأحداث السياسية عند الإمام البوطي
ضوابط السياسة في الرؤية الإسلامية
الصحوة الأسلامية آفاق وتحديات
العالم ينتظر عدالة الإسلام
الإسلام مظلة تحمي الجميع ومسار وحيد للخروج من التبعية والتخلف
(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى